ماذا عن ليبيا الآن؟

TT

في الحرب، تقدر المعنويات في مقابل الماديات بنسبة ثلاثة إلى واحد، بحسب مقولة نابليون الشهيرة، وأثبت الثوار الليبيون بالفعل صحة تلك المقولة. فقد كان لدى معمر القذافي عدد أكبر من الضباط، وكانوا على مستوى تدريب وتسليح أفضل، ولم تكن تعوزهم الشجاعة. غير أن الثوار كان لديهم اعتقاد راسخ بأن فوزهم في المعركة أمر محتوم ولا مجال للخلاف عليه، وبمجرد أن استحوذ الاعتقاد نفسه على قوات القذافي، انهارت مقاومتهم.

على الرغم من ذلك، فإن نابليون ذكر أيضا أن الله يقف إلى جانب أفضل قوات المدفعية، ولم يكن بحوزة الثوار أسلحة أكثر تطورا من مجرد مدافع خفيفة مضادة للدبابات. وكانت قوات مدفعيتهم الحقيقية ممثلة في القوات الجوية التابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) التي شنت حملة قصف جوي استمرت لمدة خمسة أشهر تأييدا للثوار.

ومع عدم وجود قوات فعلية «على الأرض» في ليبيا من الناحية الفنية، فإن هذا الاعتماد المكثف على الدعم العسكري الأجنبي يجعل قوات الثوار مدينة بالفضل للغرب من منظور بعض الليبيين والعديد من الشعوب العربية الأخرى. إنهم كذلك بالفعل، ولكن مع محاولة قادة الثورة النهوض بعملية التحول البارعة من الديكتاتورية والحرب الأهلية إلى دولة حرة ديمقراطية، ربما يثبت مدى أهمية تأثير القوات الأجنبية.

تأمل المهام التي يضطلع بها الثوار الآن. أولا، يتحتم على قادة الثوار منع قواتهم المنتشية بالنصر من الثأر من الموالين السابقين للنظام. فهم ليسوا بحاجة على الإطلاق إلى حمام دم في طرابلس أو في أي بقعة أخرى من ليبيا.

بعدها، عليهم الاختيار من بين آلاف المقاتلين الدهماء الحاليين ليكونوا مقاتليهم التقليديين وأن يسرحوا بقية قوات الميليشيا التي هبت لقتال جيش القذافي. سيشعر كثيرون ممن حاربوا من أجل الثورة بالخداع، ولا يزالون يمتلكون أسلحة. حينها، سيتعين على الثوار إيجاد وسيلة للتعامل مع القذافي (متى تمكنوا من القبض عليه) والتي من شأنها ألا تعمق الشقاقات المتأصلة بالأساس داخل المجتمع الليبي.

لقد حارب كثير من المنتمين لقبيلة القذافي وحلفاؤها دفاعا عن النظام، ونصف الأسر الليبية بها فرد واحد عمل لحساب حكومة القذافي في وقت ما من مدة حكمه التي امتدت 42 عاما.

بعد ذلك، سيكون على الثوار صياغة دستور وإجراء انتخابات حرة وتشكيل حكومة تشريعية والتي سيسلم لها المجلس الوطني الانتقالي سلطاته. كذلك، عليهم البدء في بناء الاقتصاد من جديد وتوفير المال لأفراد الشعب بأسرع وقت ممكن. فكثير من الليبيين لم يتقاضوا رواتبهم منذ أربعة أشهر. ربما تصبح المهمة أسهل بكثير إذا تم الإفراج عن الاحتياطي النقدي الأجنبي الخاص بالدولة، والمودع معظمه بالخارج في حسابات تم تجميدها من قبل الولايات المتحدة أثناء النزاع الدائر بهدف منع إمداد قوات القذافي بالمال، بسرعة ومنحها للحكومة الليبية الجديدة. وستحتاج الحكومة الجديدة أيضا إلى اقتراض مبالغ كبيرة من المال من الخارج لإصلاح منشآت النفط التي دمرت أثناء المعركة وتدوير عجلة الصادرات من جديد.

ومن شبه المؤكد أنه سيتم توفير هذه الأموال، لأن ليبيا تمتلك احتياطيات من النفط تمكنها من سداد عشرة أضعاف ذلك إذا لزم الأمر، ولكن ستصبح الأمور أكثر صعوبة بعد ذلك.

ويدرك الكثير من قادة الثوار أن الولاءات القبلية القوية تتسبب في حدوث الخلافات والشقاقات في البلاد، ولكن لن يكون إبعاد هذه الولاءات عن السياسة الديمقراطية بالأمر السهل، وذلك بسبب عدم وجود منظمات مدنية قوية (مثل الجمعيات المهنية والنقابات.. الخ) لتكون بمثابة المركز البديل للنشاط السياسي.

وعلاوة على ذلك، نجحت الثورة في البداية في الشرق (برقة)، في حين ظل معظم الغرب (طرابلس) تحت حكم القذافي حتى قبل النهاية بوقت قريب، ولذا فإن المجلس الوطني الانتقالي، والذي يتحرك الآن فقط من بنغازي في الشرق إلى طرابلس في الغرب، لديه تحيز قوي للشرق. ومع ذلك، يضم الغرب ثلثي السكان، كما أن المقاتلين في الغرب هم الذين تحملوا العبء الرئيسي في القتال.

لقد كان المجتمع الليبي مشتتا بقوة تحت قيادة القذافي، عن عمد تماما، من أجل عزل كل فرد وجعله عاجزا عن التعامل مع النظام. والآن، يجب إعادة تكوين كافة هذه الروابط الأفقية التي تعرف مجتمعة باسم «المجتمع المدني»، من دون السماح للولاءات القبلية والإقليمية بتولي المسؤولية، وهذا هو السبب في أن وجود حلفاء أجانب أقوياء هو شيء مفيد للغاية بالنسبة لليبيا.

وقد لعبت كل من بريطانيا وفرنسا، على وجه الخصوص، الدور السياسي الأكبر في نجاح الثورة الليبية، حيث شنت الدولتان معا أكثر من نصف الغارات الجوية لدعم الثوار، في حين تكفلت باقي الديمقراطيات الأوروبية بالإضافة إلى كندا، أي كافة أعضاء حلف الناتو، بباقي الهجمات. (ساهمت الولايات المتحدة بعمليات المراقبة فقط وأحيانا بهجمات الطائرات من دون طيار بعد الأسابيع القليلة الأولى).

ويحتاج هؤلاء الحلفاء الأوروبيون إلى تبرير مشاركتهم في هذه العمليات لشعوبهم، ولذا سيبذلون كل ما في وسعهم للتأكد من عدم وجود مذابح ومن تسليم القذافي وحلفائه المقربين، عندما يتم القبض عليهم، إلى المحكمة الجنائية الدولية (يعد ذلك أفضل بكثير بالنسبة لاستقرار البلاد من محاكمته في ليبيا) ومن ضمان أن تسير عملية بناء حكومة ديمقراطية في ليبيا بسلاسة كبيرة قدر الإمكان.

ويمتلك الحلفاء الأوروبيون الكثير من النفوذ على قوات الثوار في الوقت الحالي، وسوف يستغلون هذا النفوذ للحفاظ على الثورة في مسارها الصحيح. وعلى الرغم من كافة العقبات التي تواجه الانتقال السلس للسلطة في ليبيا، يمكن أن تكون النتيجة إيجابية بشكل مدهش.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية