مصريون.. وأتراك

TT

لقي القرار التركي بخفض التمثيل الدبلوماسي مع إسرائيل من مستوى السفراء إلى السكرتير الثالث ردا على رفض الأخيرة الاعتذار عن سقوط القتلى الأتراك في حادثة سفينة الحرية، هوى لدى الشارع العربي، خاصة في مصر التي تزامن فيها القرار التركي مع حالة الغضب الشعبي من قتل رجال شرطة مصريين على الحدود في ظروف قيل إن لجنة تحقيق مشتركة من البلدين ستقوم بالتقصي فيها.

وكان ذلك مجالا للمقارنات داخل مصر بين ردي فعل البلدين، وظهر ذلك بوضوح في العناوين الرئيسية للصحف وكذلك في برامج التلفزيون، لتقدم صورة أن رد الفعل المصري متردد ومرتبك وخائف، والتركي شجاع وحاسم وقاطع.

هناك ارتباك حدث بالفعل عندما وقعت الحادثة على الحدود المصرية تمثل في البيانات المتناقضة للحكومة المصرية، وهناك قوى سياسية انتقدت رد الفعل الرسمي، معتبرة أنه يماثل ما كانت تفعله الحكومات السابقة قبل ثورة 25 يناير، وحشدت أنصارها أمام السفارة لتطالب بطرد السفير.

لكن أيضا المقارنات بين الموقفين بهذا الشكل فيها الكثير من المزايدات السياسية التي تسعى فيها قوى إلى تسجيل نقاط لدى الشارع ترفع شعبيتها، وتغفل أن الظروف ليست متماثلة، وأن أخطر ما في هذه المزايدات أنها تفتح أو تقع في فخ «معارك عرقلة» جانبية سواء بحسن نية أو بسوئها ينشغل فيها الشارع والسياسيون عن الهدف الأهم لثورة 25 يناير في هذه المرحلة وهو إعادة بناء دولة على أسس ديمقراطية مدنية في أقصر وقت ممكن.

مشكلة كل الثورات أنها تحمل في طياتها طاقة هائلة للتغيير والأحلام، لكنها تواجه الكثير من معارك العرقلة؛ أبرزها التقاتل الداخلي، وفي أحيان المعارك والحروب الخارجية التي تستدرج إليها، والتاريخ شاهد على ذلك؛ وأبرزها الثورات الفرنسية والروسية والإيرانية.

في الأزمة التركية - الإسرائيلية لم تتصرف أنقرة بتهور بعد غضبها مما حدث لرعاياها واستعراض القوة الذي قامت به إسرائيل، فقد انتظرت اعتذارا إسرائيليا لأكثر من عام، وانتظرت تقرير لجنة تقصي الحقائق من الأمم المتحدة لفترة مماثلة، ثم اتخذت حكومتها المنتخبة قرارها الذي يبقي الباب مواربا، لأنه لا يتضمن قطع العلاقات الدبلوماسية.

وإذا انتقلنا إلى مصر، فإنه رغم التسليم بأن هناك شيئا مريبا في ما فعلته إسرائيل أو استهتارا، وأن من حق الشارع أن يعبر عن غضبه ويطالب بإجراءات، فإن الرد على الصعيد الرسمي يجب أن يكون رشيدا محكوما بحسابات العقل والمصالح في ضوء نتائج التحقيق ولا يستسلم للمزايدات السياسية، كما حدث في التاريخ المصري الحديث سابقا، وانتهت بكوارث.

وفي كل الأحوال، فإن أي قرارات استراتيجية مستقبلية يجب أن تترك لحكومة ورئيس لديهما شرعية راسخة من خلال تفويض شعبي جاءت به صناديق الانتخابات، ويستطيعان أن يقولا إنهما يمثلان صوت الناس، وليس حكومة أو سلطة انتقالية تدير البلاد بشكل مؤقت لحين تسليم السلطة. وهذا يعود بنا إلى أهمية التركيز على العملية السياسية الداخلية واستكمالها والخروج السريع من لحظة الضعف الحالية.

سألت صديقا في القاهرة بقلق عما نقرأه يوميا من تقارير عن حوادث انفلات أمني وخناقات وصدامات تثير القلق على مستقبل المسيرة السياسية وإعادة بناء الدولة ومؤسساتها بعد ثورة 25 يناير في مصر، وكانت إجابته: صحيح أن هناك انفلاتا، لكن ليس بحجم ما تعكسه الصورة الإعلامية التي تسعى إلى رفع التوزيع أو كسب مشاهد أو أغراض أخرى تتعلق بتصحيح سجل علاقاتها قبل الثورة، فالناس تسير في الشوارع وتسهر في المقاهي وتذهب إلى الساحل الشمالي في عطلات للتصييف.. فرغم المتاعب، فإن هناك تفاؤلا.