الرماد في أفغانستان والنار في بلوشستان!

TT

السنة الماضية كان النقاش، في أحد المؤتمرات الخاصة، يدور حول أفغانستان عندما تطرق الحاضرون إلى بلوشستان فقال أحدهم: في نهاية المطاف ستكون بلوشستان الجائزة.

الشهر الماضي، صدر تقرير عن «هيومان رايتس ووتش»، أكد ما جاء في تقريرين آخرين لمنظمة العفو الدولية، ولجنة حقوق الإنسان في باكستان، من حيث الطلب من إسلام آباد «التوقف فورا عن الخطف والقتل على نطاق واسع للمتشددين البلوش المشتبه بهم والنشطاء، من قبل رجال وكالة الاستخبارات العسكرية وقوات حرس الحدود شبه العسكرية».

هذه التقارير دفعت قائد الجيش الباكستاني الجنرال أشفق برويز قياني للتوجه إلى كويتا، عاصمة المقاطعة، لنفي مشاركة الجيش أو وكالات الاستخبارات في ما يسمى بعمليات «القتل والرمي» في إقليم بلوشستان المضطرب.

منذ يونيو (حزيران) الماضي، وجدت جثث 170 بلوشيا تتراوح أعمارهم ما بين 20 و40 سنة. وقيل إنهم ضحايا «القتل والرمي»، وهذا ما دفع البلوش لاستهداف البنجابيين والشيعة في المقابل. وعلى السنوات الأخيرة ازداد عدد الأشخاص المفقودين في بلوشستان، وكثيرا ما عثر على جثث مشوهة. والذي يثير حفيظة البلوش، أن أحدا في إسلام آباد ليس مستعدا لاتخاذ إجراءات ضد قوات الأمن ووكالات الاستخبارات عن الانتهاكات التي يرتكبونها باسم «المصلحة الوطنية».

يقع إقليم بلوشستان جنوب شرقي حافة الهضبة الإيرانية. استراتيجيا هو جسر يربط الشرق الأوسط بجنوب غربي آسيا، وآسيا الوسطى وجنوب آسيا، ثم إنه يشكل الواجهة المحيطية الأقرب بالنسبة إلى البلدان غير الساحلية في آسيا الوسطى. أي أنه استراتيجيا يسيل له اللعاب: شرق إيران، جنوب أفغانستان ويضم المرافئ الثلاثة لبحر العرب بما في ذلك غوادار الواقع عمليا عند مصب مضيق هرمز.

ثم إن بلوشستان صحراء هائلة تضم ما يقرب من 48 في المائة من مساحة باكستان فيما يشكل سكانها أقل من 4 في المائة من الباكستانيين الـ178 مليونا. البلوش هم الأغلبية يليهم البشتون. الأهم أنها غنية باليورانيوم والنحاس، ومن المحتمل أن تكون غنية بالنفط، وتنتج أكثر من ثلث غاز باكستان الطبيعي.

مرفأ غوادار بنته الصين، هو المفتاح والعقدة في ما يسمى بحرب أنابيب النفط الدائرة بين الخط الأول: إيران - باكستان - الهند الذي يعرف بأنبوب السلام، ويهدف إلى عبور الحدود من إيران إلى بلوشستان الباكستانية، وتحاربه واشنطن، وخط النفط الآخر، الذي تدعمه واشنطن ويمتد من تركمانستان فأفغانستان فباكستان ثم الهند ويخطط لعبور غرب أفغانستان عبر هيرات والتفرع إلى قندهار وغوادار.

الصين تحتاج إلى غوادار كميناء وأيضا كقاعدة لإعادة ضخ الغاز عبر خط أنابيب طويل للصين. من كل هذه المشاريع لا تدفع باكستان سوى مبالغ زهيدة من الإتاوات للبلوش، أما مساعدات التنمية فإنها لا تذكر.

في بلوشستان استياء شديد من إصرار حكومة إسلام آباد على الإبقاء على منطقتهم متخلفة، معدل القراءة والكتابة لا يزيد على 16 في المائة، ومعظم الناس يفتقرون إلى مياه الشفة.

طريق خط الأنابيب تركمانستان - أفغانستان - باكستان - الهند يحظى بدعم البنك الآسيوي للتنمية، فضلا عن الشركاء الرئيسيين أفغانستان وحتى بعض المتمردين البلوش، لكن قدرته على البقاء ستبقى موضع شك، طالما واصل المتمردون البلوش تفجير خطوط الغاز في المنطقة.

بعد قيام باكستان بسنة، أي عام 1948، أعلنت رسميا ضمها لبلوشستان ضد إرادة الشعب، وهذا أدى إلى ثلاث حركات من أجل الانفصال، قمعتها إسلام آباد لكنها لم تقمع مشاعر البلوش. وهكذا زاد العنف عام 2004 خلال حكم برويز مشرف، وعاد البلوش يطالبون بالمزيد من حق السيطرة على الموارد الطبيعية وزادت التحركات بعد مقتل الزعيم البلوشي «نواب أكبر بوغتي». يعرف البلوش أن الترتيب لاغتياله خرج من مكتب مشرف الذي كان رئيسا وقائدا للجيش. لم يكن أكبر بوغتي مجرد زعيم لقبيلة بوغتي المكونة من 300 ألف شخصي مهمشين، كان أيضا حاكما إقليميا سابقا ووزيرا أول، وزعيما معتدلا على رأس حزب معترف به حزب «الوطن الجمهوري». وقبل مقتله بفترة وجيزة، حذر مشرف البلوش قائلا «لا تضغطوا علينا. انتهت سنوات السبعينات. لن نتسلق الجبال وراءكم، لن تعرفوا كيف أو من أين ستأتيكم الضربات». كان اغتيال أكبر بوغتي نقطة تحول في التمرد البلوشي المستمر حتى اليوم. هم طالبوا بمحاكمة مشرف، لكن إحجام إسلام آباد عن تناول قضية اغتيال بوغتي، ولد لديهم الإصرار على التمرد من أجل مزيد من الحقوق والسيطرة على الموارد الطبيعية.

إن الموقع الاستراتيجي للمنطقة، على مفترق طرق بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا وغربها والشرق الأوسط عزز المنافسات الإقليمية وحركات التمرد. الآلاف من البلوشيين، والجنود والزعماء السياسيين والمدنيين قتلوا منذ اندلاع التمرد عام 2004. وشرد ما يقرب من 200 ألف شخص أغلبهم من البنجابيين، بدأوا الآن بالعودة، بعدما استهدف الجيش الخلايا المسلحة.

البلوش في إيران يعيشون في الوقت نفسه في ظل القمع الشديد السياسي والثقافي كأقلية سنية في ظل نظام شيعي من رجال الدين.

يضاف إلى ذلك، أنه على الرغم من الخلافات حول أفغانستان، فإن طهران وإسلام آباد تبدوان على نفس الموجة في التعامل مع البلوش، والصيف الماضي وقعتا على خط أنابيب النفط بقيمة 7 مليارات دولار.

حتى الآن تبقى بلوشستان ساحة للتنافس الإقليمي حول المصالح. وتشكك باكستان بشبكة الطرق الهندية التمويل التي تربط جنوب غربي أفغانستان بجنوب شرقي الميناء الإيراني شاباهار (المدينة ذات الأغلبية البلوشية).

أما طهران فإنها استثمرت في مشروع ميناء بحر العرب على أمل اجتذاب الأعمال من مختلف أنحاء آسيا الوسطى. وخلال العقد الماضي استثمرت الصين ما قيمته 200 مليون دولار في تطوير غوادار الذي يصب على الشاطئ نفسه. ويعتقد المراقبون بأن المشروع يؤكد التعاون الصيني - الباكستاني الذي قد يؤدي لاحقا إلى تعاونهما في أفغانستان، وهذا ما تنظر إليه الهند بعين الريبة.

أيضا بلوشستان هي عنصر أساسي في المنافسات الإقليمية المتمركزة في أفغانستان. باكستان اتهمت الهند علنا بأنها تدعم الانفصاليين البلوش، وهناك بعض المسؤولين الباكستانيين يشككون بإيران ودورها في دعم التمرد البلوشي. كما أن إيران تتهم باكستان بإيواء أعضاء جماعة إرهابية (جند الله) التي تتألف في معظمها من البلوش الإيرانيين السنة الذين يقاتلون النظام الشيعي الإيراني. كما أن باكستان تتهم أفغانستان بأنها تدعم تمرد البلوش وتؤوي زعماءهم.

بلوشستان تتحرك، وقد يزداد الاضطراب فيها والتحالف الغربي يخطط للانسحاب من أفغانستان. والجائزة التي تكلم عنها أحد المشاركين في المؤتمر، قد يكون داخلها خنجر مسموم. باكستان لا تتحمل بعد أن فقدت شرق باكستان (بنغلاديش)، أن تفقد بلوشستان، فهذا يعني أن السند قد تتحرك وتتحرك بعدها أو معها أقاليم أخرى.

إن اللجوء إلى القمع الوحشي سيبعد البلوش أكثر، ولن يبقى أمامهم أي خيار سوى القتال من أجل العدالة الاقتصادية والسياسية. عندما تتنافس مصالح الدول لاقتسام موارد منطقة ما، فمن حق شعب هذه المنطقة أن يشبع، ويتثقف، ويعمل ويتطور ويبني مستقبله... أو أن يستمر في القتال.