جبهة إسرائيل الجديدة

TT

لم يعد ممكنا «تغطية السماوات بالقبوات» والادعاء بأن «كل شي هادئ» على جبهة إسرائيل الدبلوماسية مع مصر.

حتى باعتراف وسائل الإعلام الإسرائيلية لم يسبق لعلاقات «الدولة إلى الدولة» بين تل أبيب والقاهرة أن تدهورت إلى المستوى الذي بلغته بعد حادثة إطلاق النار على الجنود المصريين، الشهر الماضي، وقتل عدد منهم. وبعد أن تحول الشارع المصري إلى مؤشر واقعي للتوجهات الشعبية، جاء الاقتحام الجماهيري لسفارة تل أبيب في القاهرة ليؤكد أن عهد السكوت على ممارسات إسرائيل العدائية لم يعد واردا في مصر ما بعد حسني مبارك.

ردة الفعل الشعبية على مقتل الجنود المصريين برصاص القوات الإسرائيلية تؤكد انقضاء عهد سكوت الشارع المصري على ممارسات إسرائيل العدوانية بعد طول صمت على كل ما ارتكبته من فظاعات بحق الانتفاضة الفلسطينية وبحق لبنان في حرب عام 2006، وتجاه مواطني غزة العاديين نتيجة حصارها للقطاع، وما ارتكبته من قرصنة موصوفة في اعتدائها على «أسطول الحرية».

ورغم أن حكومة إسرائيل تعزي النفس بالتذكير بأن مصر لم تحذ بعد حذو تركيا - التي طردت السفير الإسرائيلي من أنقرة استنكارا لرفض حكومته الاعتذار عن اعتداء قواتها على «أسطول الحرية» – فهي لا تخفي قلقها من أن يكون هلال شهر عسل العلاقات المصرية – الإسرائيلية قد أشرف على الأفول.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، خصوصا على خلفية زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى القاهرة، هو: هل سيكون بمقدور مصر العربية أن تواصل دبلوماسية ممالأة إسرائيل بينما تتخذ حيالها دولة إسلامية غير عربية – مثل تركيا – هذا الموقف المتشدد؟

لذلك يبدو التساؤل مبررا عما إذا كانت حادثة الاقتحام الشعبي لسفارة إسرائيل في القاهرة هي أقصى درجات التعبير الشعبي استنكارا لممارسات إسرائيل... أم أنها مجرد مقدمة لخروج مصري محتمل على «بيت الطاعة» المفروض عليها بموجب عقد «كامب ديفيد»؟

لا يخفى على اليمين الإسرائيلي أن المنطقة العربية بأكملها تمر بحالة غليان سياسي لن تكون حصيلته النهائية – كائنة ما كانت على الصعد الداخلية – لمصلحة العودة إلى «الأمر الواقع» السابق، بما فيه، في مصر تحديدا، واقع «سلام كامب ديفيد» المنقوص... ففي القاهرة لن تكون «أخلاقيات» حكم حسني مبارك وحدها في قفص الاتهام، بل ممارساته السياسية أيضا، وفي مقدمتها دبلوماسية ممالأة إسرائيل إلى حد السكوت عن اعتداءاتها المتكررة.

آن الأوان لأن يدرك اليمين الإسرائيلي الحاكم في تل أبيب أن ما كان ممكنا عام 1978 (عام توقيع معاهدة كامب ديفيد) لم يعد مقبولا عام 2012، ليس مصريا فحسب بل عربيا أيضا. وأبسط ما يعنيه ذلك أن على اليمين الإسرائيلي أن يعيد النظر ليس فقط في أسلوب ممارساته الأمنية المتبعة بلا أفق سياسي، بل في مجمل استراتيجيته المفترض فيها ضمان «الوجود» الإسرائيلي في المنطقة، وبالتالي التوصل إلى قناعة منطقية بأن لا ضمانة فعلية «للوجود» الإسرائيلي خارج إطار التسوية السلمية المنصفة - قدر الإمكان - للجانبين الفلسطيني والعربي.

على هذا الصعيد، وفي حال صح نبأ صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن دعوة وزارة الخارجية الإسرائيلية، بالاشتراك مع جهازي «الشن بت» و«الموساد» وربما بدافع منهما، حكومة بنيامين نتنياهو للعمل على تحقيق «تقدم» على صعيد التسوية السلمية مع الفلسطينيين («تحسن سمعة إسرائيل» في العالم كما ادعى النبأ) تكون أجهزة إسرائيل الاستخباراتية أكثر واقعية من يمينها الليكودي في تقييم التطورات الجارية في المنطقة.

باختصار، كرة العلاقات مع مصر، والعالمين العربي والإسلامي، هي الآن في ملعب إسرائيل، وتحديدا في ملعب اليمين الإسرائيلي الذي أظهر، حتى الآن، أنه أعجز من أن يتجاوز ذهنية القرن التاسع عشر ليتعامل بواقعية مع القرن الحادي والعشرين... كما هو الحال تماما مع ما تبقى من الديكتاتوريات العربية.