3 صور مهداة إلى نبيل العربي

TT

في حوار جرى على فضائية «دريم» المصرية، مساء الاثنين الماضي، سألت السفير نبيل فهمي، سفير مصر السابق لدى الولايات المتحدة الأميركية، عما يحكم أميركا في علاقاتها مع القاهرة خصوصا، ثم مع سائر الدول عموما، فقال الرجل إن تجربته من خلال ثمانية أعوام قضاها في العاصمة الأميركية، تقول بأن المصلحة المجردة تسبق المبدأ، في هذه العلاقة، في كل وقت، وليس العكس، وإن كل ما يمكن أن يقال بخلاف ذلك، على لسان الأميركيين أنفسهم، أو على لسان غيرهم، خداع في خداع، وكذب في كذب!

وتشاء الصدفة البحتة، أن يأتي الحوار مع السفير فهمي، في الوقت الذي كان العقيد القذافي قد اختفي فيه، من ليبيا، وبدأ الغرب إجمالا، والولايات المتحدة بشكل خاص، تتعامل مع الأرض الليبية، وكأنها فريسة سقطت في وسط الغابة، فأسرعت الحيوانات المفترسة، تلتهمها، بكل قوتها، ليكون نصيب كل واحد منها، على قدر قوته، وقدرته، وأسبقية وصوله إليها، قبل غيره!

بدت ليبيا، ولا تزال، أصدق مثال على حقيقية المبدأ الذي يحكم العلاقة، بين الولايات المتحدة، ودول أوروبا، من ناحية، وبيننا من ناحية ثانية!

ليس هذا فقط، وإنما كان مثال سوريا، في التوقيت ذاته، تأكيدا للمبدأ إياه، فأصبح كل متابع لما يجري في المنطقة، يرى بعينيه، في كل صباح، أن المصلحة التي دفعت تلك الدول، إلى الإسراع لالتهام ليبيا، بهذه الطريقة، هي نفسها - أي المصلحة - التي تمنع الدول ذاتها، من التفكير في التدخل من أجل حقوق الإنسان - في سوريا.. مع أن البلدين يطلان على البحر المتوسط، ومع أن المسافة بينهما لا تكاد تتجاوز رمية حجر بمقاييس المسافات بين الدول، وإذا ما كانت «حقوق الإنسان» هي الحاكمة فعلا.

قد يقول القائل، إن ما قال به السفير المصري السابق، تحصيل حاصل، وإنه حقيقة، وإن الرجل لم يأت بجديد، وإن هذا هو المبدأ الحاكم بين الدول جميعا منذ كانت هناك دولة على وجه الأرض، وإنه.. وإنه.. إلى آخره!

وسوف أقول إن هذا كله صحيح، ولكن هناك فارقا مهما، هو أننا نرى المبدأ هذه المرة مطبقا أمامنا، في حالة ليبيا ومعها سوريا، على المكشوف، دون حياء ولا خجل، ولا كسوف.. ثم إن هناك فارقا آخر مهما، هو أن ذلك كله يتم أمام أعيننا، على الملأ، بينما نحن العرب غائبون عن الساحة هناك، في ليبيا، وكأنها لا تعنينا في شيء!

ففي صباح الخميس قبل الماضي، كان جيفري فيلتمان مساعد وزير الخارجية الأميركي، لشؤون الشرق الأوسط، يبدو في الصورة ضاحكا، مع المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الانتقالي الليبي.. كانت الصورة التي جرى التقاطها لهما في طرابلس، بعد فرار العقيد منها، وكان الاثنان يبتسمان، وكانت الابتسامة تملأ وجهيهما، وكانت الصحف تصف زيارة فيلتمان إلى طرابلس، بأنها أول زيارة لأول مسؤول غربي، على هذا المستوى، إلى الأراضي الليبية، ولم نكن والحال كذلك، في حاجة إلى ذكاء كبير، ولا قليل، لكي ندرك أن السباق بين الدول التي ساعدت الثوار الليبيين، قد بدأ، وأن كل عاصمة منها، تبذل ما في وسعها، لتكون هناك، قبل غيرها، وأن فرنسا إذا كانت قد سبقت الجميع، حين دعت إلى مؤتمر «مستقبل ليبيا» في باريس، الشهر الماضي، فإن واشنطن قد سبقت هذه المرة، ورأت أن يكون مساعد وزير خارجيتها، هو الأسبق، والأسرع، والأقدر على الوصول إلى حيث يجري توزيع الغنيمة!

ليس هذا فقط، وإنما أعلن مصطفى عبد الجليل، أن الأولوية في عقود الإعمار، والنفط، سوف تكون للحلفاء الذين وقفوا مع ثوار بلاده، من أجل تحريرها.. وكان معنى هذا الكلام، أن الدول العربية جميعا، خارج هذه العقود، وأن عقود الإعمار وحدها التي تقدر بـ100 مليار دولار، سوف تتقاسمها عواصم ثلاث على وجه التحديد: باريس، لندن، واشنطن!

لذلك، لم يكن غريبا، أن يصل إلى طرابلس، بعد ساعة من اجتماع «عبد الجليل - فيلتمان» كل من الرئيس الفرنسي ساركوزي، ورئيس وزراء إنجلترا ديفيد كاميرون، ويخرج الثلاثة «عبد الجليل، ساركوزي، كاميرون» على العالم، تتعانق أياديهم، وهي ترفع شارات النصر.. كان عبد الجليل في الوسط، وكان ساركوزي على يمينه، ممسكا بذراعه، في فرح بالغ، وكان كاميرون على يساره، ممسكا بذراعه أيضا، وكانت صورة الثلاثة، بهذا الشكل، تنطق بأن الذين ساعدوا الثوار في ليبيا، لإزاحة القذافي، لم يكونوا يساعدونهم لوجه الله، ولا لوجه حقوق الإنسان، ولا لأجل إنقاذ المدنيين أو حمايتهم، كما قيل، ولا لأجل شيء من هذا كله، وإنما لأجل النفط.. والنفط وحده.. ومن بعده تأتي طبعا عقود الإعمار!

ثم جاءت الصورة الثالثة، متممة للمعنى، على أصدق ما يكون، عندما وصل إلى طرابلس في اليوم التالي مباشرة، رئيس وزراء تركيا، رجب طيب أردوغان، ومعه وزير خارجيته أحمد داود أوغلو ليصلي الاثنان مع عبد الجليل، الجمعة، في المدينة، وتوزع وكالات الأنباء العالمية صورة الثلاثة، وقد جلس المستشار عبد الجليل، في الوسط، يؤدي الصلاة، بينما رئيس الوزراء التركي، عن يمينه، ووزير خارجيته على اليسار!

هذه.. كانت هي الصورة الخاتمة، لنجد أنفسنا أمام ثلاث صور لها معنى واحد، من أول صورة مساعد وزير الخارجية الأميركي، ومرورا بصورة الرئيس الفرنسي، ورئيس وزراء بريطانيا، وانتهاء بصورة رئيس وزراء تركيا، ومعه وزير خارجيته.. الصور الثلاث تقول، إن المبدأ الذي أشار إليه، ثم أكد عليه السفير نبيل فهمي، يجري تطبيقه وتجسيده حيا على الأرض، أمامنا جميعا، وأن ليبيا لو كانت كاليمن - مثلا - لا نفط عندها، ولا عقود إعمار، ما كانت هذه الدول الثلاث، أو الأربع، قد سارعت بمسؤوليها إلى هناك، وكان الليبيون قد هلكوا تحت رصاص العقيد، دون أن يأبه بهم أحد!

نعود ونقول، بأن هذا كله، رغم كل شيء يبدو مفهوما، ومنطقيا، ويمكن استيعابه.. لكن الشيء الذي لا يمكن فهمه، ولا استيعابه، هو غياب الدكتور نبيل العربي، أمين عام الجامعة العربية، عن الصورة في ليبيا تماما.. قد تكون كل دولة عربية، من دول الجوار مع ليبيا، عندها ما يشغلها هذه الأيام، ويستولي على اهتمامها.. أقول قد.. لأنه لا شيء أبدا يبرر غياب القاهرة، على سبيل المثال، عن الصورة، على هذا النحو الفادح، وكأن ليبيا من دول أميركا اللاتينية، ولا حدود جوار مباشرة لها بالتالي معنا.. ومع ذلك، فإن السؤال هو: أين نبيل العربي من هذا كله؟! وهل تابع الصور الثلاث، واحدة وراء الأخرى، على مدى يومين اثنين؟! وإذا كان قد تابعها، فماذا فعل؟ وإذا لم يكن قد تابع تلك الصور الموجعة لكل عربي، فما هو الشيء الأهم الذي يتابعه؟! ولماذا لم يكن هو في القلب من الصورة الأولى؟!