هل نعيش العقد المفقود؟

TT

إذا أردت تجرع جرعة يأس، استمع إلى الناس الذين يعرفون القليل عن الاقتصاد العالمي. يقول روجر ألتمان، نائب وزير الخزانة، إن أميركا وأوروبا على حافة ركود مزدوج كارثي. ويقول الكثير من خبراء الاقتصاد إننا لن نشهد زيادة تذكر في الوظائف قبل ثلاث سنوات، بينما يقول آخرون إن المصارف الأوروبية ستترنح إن لم يكن حاليا، فسيحدث ذلك العام المقبل. ورسم والتر راسيل ميد، أستاذ السياسة الخارجية في «بارد كوليدج»، مؤخرا أسوأ السيناريوهات المحتملة على مدونته، حيث كتب: «هل سيستمر النظام المالي العالمي خلال الستة أشهر المقبلة على الحال الذي نراه حاليا؟ هل تتداعى ركائز نظام ما بعد الحرب؟ هل سيزيد التدهور المالي العالمي من عدم استقرار الشرق الأوسط؟ هل تمثل مؤشرات انفجار فقاعة في الصين بداية لأزمة اقتصادية وربما سياسية هناك؟ هل تنتظر الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة المزيد من المفاجآت؟».

التنبؤات الخاصة بالسنوات القليلة المقبلة سيئة، ومن المحتمل أن يحدث أسوأ منها. الظروف الاقتصادية ليست الجزء المخيف من الصورة، بل عجز النخبة السياسية عن التفكير في الاقتصاد بطريقة واقعية. وتتضمن الأزمة جوانب عدة، تندمج وتغذي بعضها البعض. هناك نقص في الطلب على السلع الاستهلاكية وأزمة الائتمان والانخفاض المستمر لأسعار المنازل وتجمد النشاط الاستثماري وارتفاع مستوى الديون الاستهلاكية وعدم استغلال المهارات، ناهيك عن الأعباء التنظيمية وعدم ثقة رجال الأعمال في البيت الأبيض وارتفاع تكاليف برامج التأمين الحكومية الذي يلوح في الأفق وفقدان ثقة الشعب في مختلف مؤسسات الدولة.

لا يؤدي واحد من هذه الجوانب إلى إطالة عمر الأزمة، بل هو التشابك المعقد بينها جميعا هو ما يؤدي إلى ذلك. لتوضيح هذا بلغة خيالية أدبية، يمكن القول إن الأزمة هي حالة طارئة أكثر فظاعة من مجموع أجزائها.

لكن أصحاب الآيديولوجيات الذين يهيمنون على الخطاب السياسي غير قادرين على التفكير في طرق بديلة طارئة، حيث يركزون على عامل واحد يتماشى مع انحيازهم مثلهم مثل العميان الذين يلمس كل منهم جزءا من الفيل وهو مقتنع أنه عرف شكل الفيل. وتتم تهيئة الكثير من الديمقراطيين بحيث يرغبون في زيادة الإنفاق الحكومي، لذا يركزون على الجانب الذي يعتقدون أنه يمكن علاجه من خلال زيادة الإنفاق الحكومي، وهو تراجع الطلب على السلع الاستهلاكية. ويرون أنه يمكن زيادة الإنفاق الحكومي من أجل زيادة الإنفاق الاستهلاكي.

عندما لم تؤت حزمة الحوافز التي قدمها الرئيس أوباما النتائج المرجوة منها، لم يعترفوا باحتمال وجود عوامل أخرى أدت إلى إضعاف التأثير، بل فقط دعوا إلى زيادة الإنفاق الحكومي. كل مشكلة صغيرة تتطلب حلا لعلاجها.

على الجانب الآخر، تمت تهيئة الكثير من الجمهوريين ليرغبوا في خفض الضرائب والحد من اللوائح المنظمة. لذا ركزوا على جانب واحد فقط يمكن التعامل معه من خلال خفض الضرائب والحد من اللوائح، وهو تراجع استثمارات رجال الأعمال. وقالوا إنه بعمل ذلك كل شيء سيكون على ما يرام. تبنى المحافظون من الحزبين وجهة نظر متحفظة آلية في هذا الأمر. إذا علقنا مع طريقتي التفكير هاتين، سوف تنهمر علينا للأبد مقترحات لا تتناسب مع حجم المشكلات التي نواجهها. قد تعجب بمقترح الحوافز الأخير الذي قدمه أوباما أو لا، لكنه تافه ولا يمكن أن يحدث أي فرق بالنظر إلى حجم الفوضى العالمية.

نحن بحاجة إلى طريقة أعظم وأكثر تواضعا في الوقت ذاته. عندما نواجه مشكلة معقدة، لا ينبغي أن نحاول البحث عن الترس الذي يعد مفتاحا للأمر برمته، فلا يوجد ترس واحد يتحكم في الأمر. ولن تتمكن من العثور عليه إن وجد مهما أوتيت من ذكاء. بدلا من ذلك حاول إصلاح المؤسسات بالكامل أملا في أن يعكس إصلاح الأمور الأساسية على المدى الطويل الآثار السلبية.

يمكن جعل قانون الضرائب أكثر بساطة وإلغاء الضرائب على الشركات وفرض ضرائب على الاستهلاك. ويمكن أيضا إعادة تشكيل الاتحاد الأوروبي لجعله أكثر أو أقل اتحادا وليس في موضع بين هذا وذاك كما هو الحال الآن. يمكن الحد من العوائق التي تعترض طريق رجال الأعمال، ويمكن إصلاح نظام الرعاية الصحية حتى يتمتع بمقومات الحياة. ويمكن تفكيك المصارف وزيادة المتطلبات الخاصة برأس المال. يمكن تخفيف أعباء الديون حتى وإن كان ذلك يعني الإضرار بالمؤسسات الدائنة.

هناك ست أو سبع مؤسسات كبرى تعاني من مشكلات بدءا من الحكومة والقطاع المصرفي وقطاع الإسكان وانتهاء ببرامج التأمين الحكومية وقانون الضرائب.

كان تقرير سيمبسون - باولز الخاص بالعجز فرصة لبداية موجة من إصلاح المؤسسات، لكن وأد المقترح في المهد بسبب تبني قادتنا السياسيين آيديولوجيات صارمة تمنعهم من معالجة القضايا الكبرى مثل الإصلاح الضريبي الذي يتطلب المزج بين أفكار الجمهوريين والديمقراطيين. ويعد الفشل في انتهاز الفرصة من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها إدارة أوباما. يتسم الاقتصاد العالمي بجوانب صارمة، لكن أسوأها من جانب البشر.

* خدمة «نيويورك تايمز»