تعال نغرق في البن!

TT

في أحد الأيام قال لي: عندي عروس لك..

لا بد أنه يرثى لحالي واقفا كل يوم بالساعات وحدي.. مرض ليس له إلا علاج واحد.. ألا تقف هنا.. وإنما أن تكون لنا بيوت وزوجة وأولاد.. أما هذه الوقفة.. هذه «اللطعة» فدليل على أننا ضائعون مضيعون!

قلت: لكي نقف معا في محل واحد؟

كيف؟!

قلت: ألا تشكو كل يوم من زوجتك.. إنني في كل مرة أجيء إلى البن أجدك هنا.. فما الذي فعله الزواج بك؟!

قال: يا سعادة البيه وهل أنا مثلك.. أنت رجل متعلم ولك وظيفة.. أنا كما ترى وجهي في الأرض.. وهل تحترم زوجة رجلا يملأ صدره من تراب الجزم؟! ونهض الرجل ليكون في مستواي وقال: الله يخليك ابحث لي عن عمل آخر عندكم..

- وتجيء البن البرازيلي..

- كل يوم.. والله العظيم سوف أترك عملي وأقف مع سيادتك..

- أي أنك سوف تفعل ما نفعله تماما، رغم زواجك ورغم انتقالك إلى عمل آخر.. بل إنك سوف تعرض نفسك للخطر إذا تركت عملك وجئت تقف معنا هنا..

ثم قال: البن أصبح أفيونة.. أنتم أصبحتم بالنسبة لي أفيونة يا سعادة البيه.. إننا نعرف بعضنا البعض منذ عشر سنوات.. عمر يا سعادة البيه.. نصف عمري.. فاكر يا سعادة البيه يوم سرق اللصوص حافظة نقودك.. أنا الذي دفعت لك القهوة أنت وضيوفك.. فاكر.. وكنت قد نسيت ذلك تماما. واستأنف: والتاكسي.. أنا الذي دفعت أجرة التاكسي.. إخوة.. عيش وملح.. فاكر الأستاذ محمد عبد الوهاب عندما شددته بالقوة ليشرب فنجان قهوة.. والأستاذ عبد الحليم والست الخواجاية.. أنا الذي دفع الحساب.. شرف.. وعشرة.. أين ذهب.. ففي مصر محلات كثيرة للبن.. ولكن هذا البن مزاج.. إي والله! وهو بالفعل كذلك.. ليس المحل الذي هو مزاج، ولكن مجموعة من الصفات والمواصفات التي تريح الرأس والجسم تجعلني في الوضع المناسب لتفكيري.. فأنا هكذا واقف على الجانب الأيمن للمحل.. وفي يدي فنجان القهوة وفي فمي مرارة.. وفي رأسي صحوة.. وفي قلبي عزيمة.. ثم إنني وحدي.. وبعد البن البرازيلي اتجه إلى مكتبي.. فقد كنت أعمل في جريدة «الأساس».. وبعدها في جريدة «الأهرام» وفي «روز اليوسف»، ثم في «أخبار اليوم».. تغيرت الأماكن وأشكال الكتابة وأحجام الكتب.. وبقي البن البرازيلي «موقف» البن البرازيلي!