فلسطين: قضية أم دولة؟

TT

من المتوقع أن يبدأ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في غضون أيام قليلة مناقشة طلب السلطة الفلسطينية الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وللوهلة الأولى، تبدو هذه القضية واضحة المعالم، حيث اعترفت الأمم المتحدة، منذ تأسيسها بعد الحرب العالمية الثانية، بـ150 دولة، ولذا من الطبيعي أن لا يكون هناك قلق من أن يؤدي المطلب الفلسطيني إلى حدوث مشكلات.

ولكن في واقع الأمر، سوف يتسبب ذلك في حدوث العديد من المشكلات، مع الوضع في الاعتبار أن أي شيء يتعلق بالقضية الفلسطينية لم يكن سهلا على الإطلاق على مدار أكثر من ستة عقود. ومن المفارقات الغريبة أن الأمم المتحدة نفسها قد حاولت إقامة دولة فلسطينية في عام 1947، ولكن الفكرة قوبلت بالرفض من قبل الدول العربية الأعضاء، ثم تم إحياء الفكرة من جديد بعد مرور 20 عاما في أعقاب الهزيمة العربية من إسرائيل في عام 1967، ولكنها قوبلت بالرفض أيضا.

ربما لم تكن إسرائيل أيضا تريد قيام الدولة الفلسطينية. ومع ذلك، لم تخضع هذه الفكرة للاختبار في أي وقت من الأوقات.

وربما يكون رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قد أحيا تلك الفكرة لتحقيق أسباب شخصية لأن ولاياته قد انتهت منذ عامين ولا توجد هناك آلية لاختيار خليفة له. وفي الوقت نفسه، وصلت جهوده لتشكيل حكومة ائتلافية تضم حركة حماس إلى طريق مسدود.. ولذا، فإن الحديث عن دولة فلسطينية قد يخلق بعض الزخم، أو على الأقل، يغير من الوضع الراهن ولو لبضعة أسابيع.

والسؤال الآن هو: هل إقامة الدولة الفلسطينية تعتمد على اعتراف الأمم المتحدة؟ والإجابة هي: «لا»، بكل تأكيد، والدليل على ذلك أن الصين التي تعد أكبر دولة في العالم من حيث التعداد السكاني بقيت خارج الأمم المتحدة لأكثر من عقدين من الزمن، ولا يستطيع أي فرد أن ينكر أن سويسرا دولة، على الرغم من أنها قد رفضت على مدى عقود الانضمام إلى الأمم المتحدة. وعلى نطاق أصغر، فإن كوسوفو دولة ذات سيادة على الرغم من أن الفيتو الروسي قد منعها من الانضمام إلى الأمم المتحدة.

ومع ذلك، تكمن المشكلة الفلسطينية في الأساسيات، حيث إن مصطلح «الدولة الحديثة» هو التعبير السياسي لوجود أمة أو وطن. ويجب أن يكون هناك وطن أولا ثم تبحث بعد ذلك عن دولة للتعبير عن وجودها.

والسؤال الآن هو: هل فلسطين «وطن» بالمعنى الحديث للمصطلح الذي وصفه هيردر في نهاية القرن الثامن عشر؟ ربما يدهشك أو حتى يغضبك هذا السؤال، ولكن يكفي أن تعرف أن عشرات الأحزاب السياسية التي تدعي أنها تمثل الفلسطينيين على مدار العقود السبعة الماضية لم تصف نفسها بأنها أحزاب وطنية.

إن الاسم الرسمي للحركات الفلسطينية من أمثال «حركة فتح» و«حركة حماس» لا تحتوي على كلمات مثل «الوطن» و«الوطنية»، ولكنها تستخدم صفات أصغر مثل «إسلامية» أو «شعبية». والمعنى الضمني هو أن الفلسطينيين هم، في معظمهم، عبارة عن «شعب» ولكنهم ليسوا وطن. إنهم يعتبرون جزءا من كيان أكبر أو ربما كيان أسطوري يسمي «الوطن العربي»، أو حتى جزءا من كيان أكثر صعوبة يسمى «الأمة الإسلامية».

وتتشبث التشكيلات السياسية الفلسطينية بالآيديولوجيات اليسارية أو الإسلامية ولكنها ترفض بشكل منهجي مفهوم «الوطن» الذي يعد العمود الفقري للدولة الحديثة.

وهناك تناقض واضح بين تلك الحركات الفلسطينية، وحركات التحرر الوطني الحديثة في جميع أنحاء العالم التي تكون كلمة «وطن» هو القاسم المشترك في هويتها، حيث يوجد حزب المؤتمر «الوطني» الأفريقي في جنوب أفريقيا، وجبهة التحرير «الوطني» في الجزائر، وحتى حركة الـ«فيت كونغ» التي يسيطر عليها الشيوعيون تطلق على نفسها اسم الجبهة «الوطنية» لتحرير جنوب فيتنام.

وسواء كانت هذه الحركات السياسية الفلسطينية إسلامية أو يسارية، فإنها تتعامل مع فلسطين على أنها «قضية» وليس مشروعا سياسيا.

ولكن ما هذه «القضية»؟ كان هذا هو ما ركز عليه زعيم حركة حماس خالد مشعل بوضوح خلال خطاب له في العاصمة الإيرانية طهران في الثالث من شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، حيث قال: «هدفنا هو تحرير فلسطين؛ كل فلسطين، من النهر إلى البحر». وبعبارة أخرى، فإن القضية لا تكمن في إقامة دولة للفلسطينيين ولكن في تدمير إسرائيل.

وكان رمضان عبد الله شلح، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، أكثر وضوحا حين قال في طهران: «عندما نأتي إلى السلطة، لن نسمح للنظام الصهيوني بالعيش لحظة واحدة».

ووفقا لصحيفة «كيهان» الإيرانية في عددها الصادر بتاريخ الرابع من أكتوبر الحالي، أشاد كلا الرجلين بـ«المرشد الأعلى» علي خامنئي ووصفاه بأنه هو الرجل الذي ينبغي أن تكون له الكلمة النهائية في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

وقال مشعل إن قائد الثورة الإسلامية، الإمام خامنئي، هو المرشد والقائد وستكون رغباته هي لب القضية للفلسطينيين. وهذه ليست، بالطبع، المرة الأولى التي يقوم فيها القادة الفلسطينيون ببيع «القضية» في مزاد علني، حيث سبق أن وصفوا الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بأنه «المرشد والمعلم». وفي عام 1991، باع ياسر عرفات «القضية» لصدام حسين. وبعد سنوات قليلة في أوسلو، قام بإعادة بيعها إلى شيمعون بيريس.

وفي خطابه، وعد خامنئي أنه بمجرد تدمير إسرائيل سيقوم بتنظيم استفتاء يشارك فيه الفلسطينيون من كل أنحاء العالم وبعض المواطنين من إسرائيل للتوصل إلى قرار بشأن ما يجب القيام به مع «فلسطين المحررة». ويقول البعض في طهران إن أحد الخيارات المطروحة هو إلحاق «فلسطين المحررة» بإمبراطورية خامنئي الإمامية. ولا يعد هذا ضربا من الخيال، حيث كان عبد الناصر يأمل أيضا في ضم «فلسطين المحررة» إلى جمهوريته العربية، كما كان صدام حسين يحلم بتحويل فلسطين إلى حائط صد بالنسبة للعراق على البحر الأبيض المتوسط، وهي الخطة التي كانت تتطلب تدمير الأردن كبلد مستقل. وتوهم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد أن فلسطين ستكون جزءا من «سوريا الكبرى».

وتعني إشادة مشعل وشلح بخامنئي أنه لا يوجد «وطن» فلسطيني، حيث إنه ينبغي لزعيم دولة أجنبية أن لا يحدد مستقبل دولة ذات سيادة. إن السعي وراء قيام دولة فلسطينية يبدأ من الفلسطينيين أنفسهم، حيث يتعين عليهم أن يقرروا ما إذا كانت فلسطين دولة حديثة أو جزءا من كيان أكبر خارج عن إرادتهم.

وبمجرد أن يكون لدى الفلسطينيين وعي ذاتي كـ«وطن»، فيمكنهم حينئذ السعي وراء إقامة دولة في الأراضي التي يشكلون فيها الأغلبية. ومع ذلك، يتعين على دولة لديها عضوية في الأمم المتحدة أن لا تعتمد على تدمير عضو آخر في الأمم المتحدة وتقول إن ذلك هو «قضيتها».

وخلاصة القول: يتعين على فلسطين أن تختار إما أن تكون «قضية» أو أن تكون «دولة».