الرباعية.. ما هي بالضبط؟!

TT

في البدايات.. وحين كانت عملية السلام تنطوي على بعض وعد بالحياة، والتقدم نحو الهدف.. نظر إلى الرباعية كمؤسسة سياسية.. تختزل القوى الدولية المؤثرة في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.

ولقد تعامل الفلسطينيون معها بما تتطلبه مكانتها المفترضة، فإن كانت هذه المؤسسة «معنا وليست علينا»، فذلك هو السلوك السياسي السليم.. ونحن نواجه التغول الإسرائيلي، والانحياز الأميركي الأعمى لخطأ هذا التغول قبل صوابه.

حين تم التعامل بإيجابية مفرطة مع الرباعية، كان واضحا أن التعامل كان مع الهوامش الضيقة التي تتحرك من خلالها، وكان الفلسطيني، وهذا قدره اللصيق به، بحاجة إلى هذه الهوامش، تارة من أجل إبعاد التهمة الجاهزة وهي إضاعته للفرص وعدم استجابته للمقترحات العملية والواقعية، وتارة أخرى من أجل الاحتماء بهذا الإطار الدولي أمام التعسف الإسرائيلي، والذي كان يصل إلى حد تجويع السلطة ومصادرة أموالها فيما يقترب من الخنق والقتل.

كانت الرباعية في بعض الأحيان عامل تلطيف محدودا للأجواء المتوترة اللافحة والحارة، إلا أنها أبدا ما كانت قادرة على أداء دور موضوعي في حلبة الصراع، وفي صميم القضايا الأساسية.. وذلك راجع لعوامل متعددة أولها تركيبة اللجنة، فهي تضم حليفين موضوعيين هما أميركا وأوروبا، وطرفين أقل نفوذا منهما بكثير وهما روسيا والأمم المتحدة، وفي حالة كهذه تتحول التركيبة إلى عبء على القرار.. ذلك أن أي كلمة تصدر عن الرباعية لا بد أن يوافق عليها الأربعة، وهنا تدخل مبادرات الرباعية حيز الكلام المبهم، والفاعلية المستحيلة على الأرض.وإذا كان يجب أن لا ننسى دور الرباعية في وضع خطة خارطة الطريق وتسويقها للأطراف جميعا.. الفلسطيني والإسرائيلي والدولي.. فيجب أن نتذكر أكثر كيف تعاطت الرباعية عمليا وواقعيا مع خطتها.. بحيث رعت بحماس شديد الجزء الأول من الخطة وسهرت على تنفيذه وهو الجزء الأمني، وحين جاء دور البنود الأخرى التي تنطوي على استحقاقات أساسية للفلسطينيين، ذاب دور الرباعية أو تلاشى، واكتفت مرة أخرى ببيانات باهتة ذات صياغة عامة أو ملتبسة، وفي فترات كثيرة لم تستطع حتى إصدار أي بيان في أي اتجاه.

لقد تحولت الرباعية إلى منتدى ينتظر خلاصات التفاهم الأميركي الأوروبي الروسي الأممي، وحين تتجه مواقف الدول والقوى المكونة لها نحو سياسات مختلفة أو متباعدة، فإن الرباعية تظل مجرد وعاء يملأه الروتين والتفاهمات العامة من نوع القول: «لا بد من إحياء العملية السياسية» لا أكثر ولا أقل. وحين تكون حكاية الرباعية هكذا، فبوسعنا أن نفهم أكثر دور كبش الفداء الموضوع الآن على المذبح.. وهو السيد توني بلير.. هذا الرجل الذي وضع دور وثقل بريطانيا العظمى بتصرف الإدارة الأميركية، وكان الحليف الدولي المضمون لواشنطن حين يعز الحلفاء في أعتى المغامرات العسكرية، وهو الذي جازف بمواقف مخالفة للرأي العام البريطاني ما أدى بحزبه إلى مغادرة السلطة. هذا الرجل ليس هو المشكلة، وليس بتغييره يكمن الحل، فهو موظف وليس طرفا. وهو يدرك بالتجربة أنه ما جاء إلى الشرق الأوسط من أجل تحقيق السلام، بل جاء من أجل البقاء على قيد الحياة السياسية، في واحدة من أهم بؤر الضوء في العالم وهي الشرق الأوسط، ناهيك عن المزايا الأخرى.

قد يغادر وظيفته، بل يجب، ما دام احترق إلى هذا الحد.. ولكن دلونا على شخص آخر يمكن أن يحوز ثقتنا من خلال الإنجازات الجوهرية التي يمكن أن يحققها.

إن الوضع الآن فرز على نحو واضح، إنه أميركا وإسرائيل المتحدتان على الخطأ قبل الصواب، ثم فرنسا وألمانيا وبريطانيا، اللاعبات في ظل الانشغال الأميركي نحو أمور أخرى.. وحين يستنكف السيناتور ميتشل عن أداء مهمته وهو المبعوث الرئاسي الأميركي فمن يا ترى بعد بلير سينجح؟

إن مواصلة التعامل الفلسطيني مع الرباعية أمر ينطوي على ضرورة سياسية ومصلحية لا يجوز مخالفتها.. وهذا الأمر يختلف كثيرا عن تعليق الآمال وتركيز الرهانات.