لبنان: سوريا تتراجع وإيران تتقدم

TT

بينما يقوم الرئيس بشار الأسد بقتل مواطنين من أجل البقاء في سدة الحكم داخل دمشق، ربما يفقد نظام حكمه سيطرة تمكنت سوريا من بسطها على لبنان منذ السبعينات من القرن الماضي. ومع تراجع النفوذ السوري في لبنان، يتزايد النفوذ الإيراني هناك بشكل واضح.

وتوجد العديد من الأسباب التي تقف وراء تراجع النفوذ السوري في لبنان. وبداية، هناك تصور يتنامى يوما بعد آخر بأن سوريا غارقة في مشاكل داخلية مما يجعلها غير قادرة على إقحام نفسها في الشأن اللبناني لبعض الوقت. كما هناك تراجع في قدرة سوريا على التحلي بالسخاء مع «حلفائها» داخل لبنان.

وفي الواقع، فإن النظام الحاكم في دمشق لم يكن لديه أصدقاء حقيقيون في يوم ما داخل لبنان، بل إن من كونوا معه صداقة فعلوا ذلك بدافع الخوف أو الطمع. وتأكد عامل الخوف من خلال ما يزيد على 100 عملية اغتيال سياسية، من بينها عمليتان استهدفتا رئيسين وأخرى استهدفت رئيس وزراء، وعمليات استهدفت العشرات من البرلمانيين. وجاء عامل الطمع من خلال منح شخصيات موالية لسوريا حصة في أنشطة كسب غير مشروعة تديرها دمشق في لبنان.

ولكن في الوقت الحالي نجد أن الخوف من سوريا أقل وطأة من ذي قبل، فيما يستحوذ حزب الله اللبناني على أنشطة الكسب غير المشروعة. ومن العلامات على التغير الزيادة في عدد اللبنانيين البارزين الذين يتصلون بالسفارة الإيرانية في بيروت.. بيروقراطيون يبحثون عن ترقية ودبلوماسيون يأملون في مركز مثمر في الخارج ورجال أعمال يتطلعون إلى عقود مدركين أن الحصول على موافقة من طهران يمكن أن تحقق ذلك.

وتقوم إيران، باستخدام حزب الله والكتلة المارونية التي يقودها الجنرال السابق ميشيل عون كستار، بتحريك مخالبها في جميع مستويات الإدارة اللبنانية. وقد تمت تعيينات الجنرال جان قهوجي كقائد للجيش والجنرال عباس إبراهيم كرئيس للاستخبارات وعلي حسن خليل كوزير للصحة بموافقة من طهران، مثلما حدث مع تعيين عدنان سيد حسين كرئيس للجامعة. وتتحرك شخصيات موالية لإيران في مراكز مهمة بالخدمة المدنية.

ويحظى هذا الأمر بأهمية كبيرة فيما تعد الخدمة الخريطة الانتخابية الجديدة للبلاد. وتكمن الفكرة في القيام بإعادة توزيع الدوائر الانتخابية لضمان أغلبية واضحة لحزب الله وحلفائه العونيين في البرلمان المقبل المقرر انتخابه في 2012. وعلى ضوء قيام البرلمان باختيار رئيس الوزراء والرئيس، فإن السيطرة عليه ستمكن حزب الله من تنفيذ انقلاب دستوري وتأسيس نظام موال لإيران.

يزعم زعيم حزب الله حسن نصر الله أن مجموعته لا تنوي تأسيس نظام «إسلامي» على النمط الإيراني. بيد أنه أكد علنا على ولائه لـ«المرشد الأعلى» الإيراني علي خامنئي كـ«زعيم وأستاذ لنا». وعلى ضوء تقديره الشديد لذاته، ربما لا يدرك نصر الله أن أساتذته الإيرانيين يعتبرونه أزيد قليلا على مخلب في لعبة القوة «العالمية» الخاصة بهم. ولكنه يعرف أن طهران لن تتهاون مع أقل انحراف عن استراتيجيتها للهيمنة الإقليمية.

وفي كلمة حديثة في طهران، تحدث رئيس الأركان الجنرال حسن فيروز آبادي عن «مراكز عسكرية متقدمة» لإيران في لبنان. ويتضمن ذلك الكثير من جنوب لبنان وشمال وادي البقاع وغرب بيروت وأجزاء من جبل لبنان، ولا سيما جبيل. وليس مصادفة أن الرئيس ميشيل سليمان والبطريرك الماروني بشارة الراعي يتحدران من جبيل.

وتعكف إيران حاليا على ربط هذه المناطق معا بنظام اتصالات مواز يتحكم فيه في النهاية الجنرال فيروز آبادي في طهران. وتوجد علامات أخرى على تنامي الدور الإيراني في لبنان، فخلال الأسبوع الماضي منعت الحكومة اللبنانية فيلما إيرانيا كان متعاطفا مع المعارضة المناوئة للملالي في إيران. ولم تتوان وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (إيرنا) في التباهي بأن الفيلم منع «بعد تدخل السفير الإيراني في بيروت».

وجاء بعد ذلك إعلان الرئيس سليمان أن لبنان قدم طلبا رسميا لإيران لتدريب وتسليح الجيش اللبناني. وقال سليمان لـ«إيرنا» إن لبنان «لم يعد يعول على الحصول على سلاح من الولايات المتحدة» ويعتبر إيران «حليفنا الأقوى».

وقد أعلنت بيروت وطهران أيضا عن إلغاء التأشيرات، وقبل بدء الاضطرابات الحالية، كان أكثر من مليون إيراني يزورون سوريا كل عام، وقام البعض منهم بإضافة لبنان في مسار رحلتهم. وفيما تعتبر سوريا حاليا مقصدا خطرا، تزعم طهران أن الكثير من السياح الإيرانيين ربما يتحولون إلى لبنان كمقصد بديل. ولكن، ليس مسموحا لجميع الإيرانيين بمغادرة البلاد.

وبما أن حزب الله يسيطر بالفعل على المطار في بيروت، فإن إلغاء التأشيرات قد يمكن الجمهورية الإسلامية من إرسال أفراد سياسيين واقتصاديين وعسكريين إلى لبنان بأعداد أكثر وأريحية أكبر.

ولا يعني ذلك كله أن سوريا ابتعدت تماما عن لبنان، فما زال لسوريا بعض الحلفاء البارزين من بينهم رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، وهو رجل أعمال ثري له علاقات بعائلة الأسد. كما أن رئيس البرلمان نبيه بري، وهو شيعي، حليف لسوريا منذ أمد، وهو معارض لتنامي النفوذ الإيراني في لبنان. بيد أنه لا يمكن لميقاتي أو بري القيام بالكثير لرعاتهم السوريين في وقت يواجه فيه نظام الأسد نفسه انتفاضة شعبية قوية.

وعليه، فإنه في الوقت الحالي، يبدو لبنان في طريقه لأن يصبح كيانا تابعا للجمهورية الإسلامية. ويتمثل التحذير الوحيد في احتمالية تعرض نظام الخميني في طهران لنفس الضغوط التي هزت النظام البعثي في دمشق.