انتظر حتى سقطت غرناطة

TT

يرتفع التمثال عاليا فلن ترى وجه صاحبه. ويمد يده غربا ليشير إلى الجهة التي عاد منها، في القرن الخامس عشر، وهي ما نعرفه اليوم بالأميركيتين. هنا، في برشلونة، حيث روى المغامر الإيطالي للملكة إيزابيلا وزوجها فرديناند مشاهدات الرحلة، وفي واشنطن، اليوم (13 أكتوبر/ تشرين الأول) عيد رسمي. لكن كريستوفر كولومبس كان لا يزال يعتقد أنه شق طريقا تجاريا إلى الهند، بعيدا عن الطرق التي يسيطر عليها المسلمون نحو الهند والصين.

منذ زمن وهو يطلب من إيزابيلا أن تمول بعثته إلى الهند (ثلاث سفن) لكن كان يقال له إن إسبانيا منهمكة في حروبها مع المسلمين فدع الهند جانبا الآن. وما إن سقطت غرناطة حتى التفتت الملكة إلى أحلامه. لم يكن المغامر الغبي يعرف أنه سوف يفتح أمام الأوروبيين والرجل الأبيض طريق «العالم الجديد» ويبدأ تاريخ طويل من الاستعمار والاستعباد والدماء.

هنا في ساحته، على أطراف «الرمبلة»، يقف النصب الأزرق شاهدا على المفترقات التاريخية الدرامية: نهاية الوجود العربي بسبب الأنانيات العربية، وتوسع الغرب حتى الأميركيتين، وكيف أن أمجاد أوروبا صنعها، في نهاية المطاف، مستكشفون مغامرون، كان أشهرهم هذا الإيطالي الساذج، المهووس بالوصول إلى الهند.

قبله بقرون جن بها المقدوني إسكندر ابن الملك فيليب. غلب الفرس في ثلاث حروب، بينها معركة غزة، حيث أمر بسحل حاكمها عاريا. وكان يرافقه مؤرخون، هم صحافيو ذلك العصر، فكتب أحدهم عن الرحلة أن الإسكندر لكم فيلا فأرداه. وكانت لكمة خفيفة، لكن لو شاءها أشد، فكانت مزقت جلده وأضلاعه. قرأ الإسكندر المخطوطة فطلب أن ترمى في النهر، وحذر صاحبها من أن يكون الرمية التالية.

لكن نوبة التواضع كانت وحيدة، لأن الإسكندر ترك مؤرخا آخر يكتب أن البحر ينحني أمامه عندما يمر. كما كان يرتدي ثياب الآلهة ويحب ارتداء ثياب النساء. وخلال حملته في الهند كتبت له أمه تسأل إذا كان يفضل أن ترسل إليه مومسين ذكورا من اليونان، ألوانهم غير داكنة. لكن يبدو أنه كان متمتعا بالغزو وبرفقة «صديقه الأقرب» هيفازيون. وكان يغرق في نوبات السكر ولا يفيق «في اليوم التالي ولا في اليوم الذي بعده». ولما عاد بطريق العراق تفجر به السكر في بابل، وهو بعد في الثانية والثلاثين.

لم يتعلم فكرة السحل في بابل. فعندما نلمح السحل نراه أولا في بلاد الفلسفة وأرض أرسطو، حيث تسحل جثة هكتور في طروادة، كما أخبرنا هوميروس، أب الملاحم.