إيران تعيد التموضع.. ولكن

TT

في الأيام القليلة الماضية صدرت جملة ردود فعل إيرانية منفعلة، وفارغة، على كافة المستويات حول الكشف الأميركي الرسمي عن المخطط الإيراني لاغتيال السفير السعودي بواشنطن، لكنّ هناك تصريحا إيرانيا يستحق القراءة المتأنية.

ففي خطاب بثه التلفزيون الإيراني قال المرشد الأعلى الإيراني، الأحد الماضي، إن بلاده قد تلغي منصب الرئيس المنتخب بشكل مباشر، مضيفا في خطابه، الذي ألقاه في إقليم كرمانشاه الغربي، أن «النظام السياسي الحاكم للبلاد حاليا هو نظام رئاسي يتم فيه انتخاب الرئيس بشكل مباشر من قبل الشعب وهو أسلوب جيد ومؤثر»، إلا أن خامنئي استدرك قائلا «لكن إذا اعتبر في يوم ما.. ربما في المستقبل البعيد.. أن النظام البرلماني لانتخاب مسؤولي السلطة التنفيذية هو الأفضل فلا توجد أي مشكلة في تغيير الآلية الحالية».

والسؤال هنا: ما معنى هذا التصريح، ومدلولاته؟ قد يقول البعض إن تصريح المرشد يأتي في إطار المعركة الصامتة بين المرشد الأعلى والرئيس نجاد، وهذا صحيح. لكن هذا التصريح يعني أيضا أن المرشد الأعلى الإيراني قد شرع في إعادة تموضع إيران، ولكن داخليا وليس خارجيا. فمن شأن إلغاء انتخاب الرئيس مباشرة أن يمنع وصول إصلاحيين إلى منصب الرئاسة في إيران، كما يمنع وصول أي شخصية لا تدين بالولاء المطلق للمرشد، من خلال أصوات الشعب.

وهذه أولى ثمرات لعب المجتمع الدولي مباريات إياب مع النظام الإيراني، والتي تحدثنا عنها سابقا هنا. فما يجب أن نلاحظه هنا أنه وسط تهليل إيران لما يسمى بالربيع العربي، فإن المرشد يريد تقييد الرئيس الإيراني، وحرمان الشعب الإيراني من شخصيات تعد إصلاحية، خصوصا بعد الثورة الخضراء في إيران. وبالطبع، من المعروف أن ديمقراطية إيران تعد مزيفة، وهذا رأي جل الإيرانيين فيها، كما أن المرشد أراد من تلويحه بإلغاء الانتخاب المباشر للرئيس ضمان عدم وصول شخصيات ذات طموح منافس للولي الفقيه، ويترتب على هذا بالطبع أن يصبح المرشد هو المعني بالسياسات الخارجية، بل المسيطر على كل قرار استراتيجي داخلي وخارجي.

ويكفي هنا أن نتذكر أن كثيرا من التقارير قد أشارت إلى أن قرار تصفية السفير السعودي في واشنطن قد اتخذ في إيران، ولكن بعيدا عن دائرة أحمدي نجاد. والمعروف طبعا أن فيلق القدس لا يتبع للرئيس الإيراني بل للمرشد الأعلى، والأمر نفسه ينطبق على العلاقة مع الغرب، أو الدفاع عن حزب الله، وكذلك الملف النووي. وبالتالي، فإن القراءة السياسية الآنية تقول إن استشعار المرشد الإيراني للخطر القادم من الخارج على إيران بات يحتم إعادة تموضعها، وترتيب أوراقها، وليس في العراق أو لبنان، أو في العلاقة بسوريا، بل من الداخل الإيراني، فالواضح أن المرشد، والدوائر التابعة له، باتوا يستشعرون خطورة المتغيرات في المنطقة، وأهمها تردي أوضاع حليف إيران الرئيسي في المنطقة، نظام بشار الأسد.

فالنظام الإيراني شعر بخسائره الخارجية، وحجم فداحتها. لذا فقد بدأ إعادة تموضعه، ولكن داخليا، وليس خارجيا، فسقوط نظام الأسد بحد ذاته سيكون زلزالا سياسيا داخليا على النظام الإيراني، بل هو سيناريو مرعب لطهران.

[email protected]