أوباما الحائر المحير

TT

لقد جاءت الانتفاضات العربية وما حققته من تغيرات لإدارة أوباما بهدية من السماء، بعد أن كان في مغطس سياسي عميق في الشرق الأوسط، هذا المغطس هو الفرق بين وعوده وأفعاله، ومع ذلك ارتبكت الإدارة في كيفية التعامل مع الأحداث غير المنتظرة، حتى أفاقت على أشكال من التغيير لم تكن تتوقعها. لم تستطع أن تجاري الأمر الجلل، والأسوأ العودة من جديد إلى الموضوع الفلسطيني بالموقف التقليدي السابق نفسه، تهديدا ووعيدا للسيد محمود عباس، وانحيازا واضحا لغير الحق الذي بشرنا به السيد أوباما منذ أن جاء إلى البيت الأبيض.

وها هي من جديد الإدارة الأميركية تقف موقف المرتبك في التعامل تجاه مؤامرة اغتيال السفير السعودي في واشنطن. الأدلة التي قدمتها (حتى الآن) مرتبكة، فهي قالت بتفاصيل المؤامرة، ولكن الشخص المشتبه الذي اتهمته، يبدو أنه شخص ذو خلفية باهتة، ومختلط بضياع إجرامي سابق. ليس من المستعبد أن تتعامل قوى مخابراتية، أنيطت بها العمليات القذرة، مع أشخاص على هذه السوية، ولكن كان من الحصيف الانتظار حتى تتبين الأدلة الدامغة في المؤامرة، والأهم منها بيان السياسات المضادة لمثل هذا العمل.

الأدلة المعلن عنها حتى الآن تستطيع الماكينة الإعلامية الإيرانية أن تدحضها، وقد فعلت بالتذكير بما عرضه وزير الخارجية الأسبق كولن لوثر باول في الأمم المتحدة حول أسلحة الدمار الشامل في العراق، ثم تبين أن لا أسلحة هناك! وهي، أي إيران، تستخدم هذا المنطق للتقليل من تورطها في المؤامرة.

إلا أن الموقف يقول إن إيران في موقف صعب جراء ما يحدث على الصعيد العربي من انتفاضات، فهي كانت مرحبة بما حدث في كل من مصر وتونس، ومبتهجة بما حدث في البحرين، إلا أن موقفها مما يحدث في سوريا كان مرتبكا على أقل تقدير، إن لم يكن غاضبا ومعارضا، واعتبرته تدخلا خارجيا ومؤامرة إقليمية ودولية.

في هذا الجو وجدت طهران نفسها لا تستطيع أن تحقق ما تاقت إليه في البحرين، وهو تحويلها إلى تابع، ولا باستطاعتها الوقوف أمام تيار شعبي سوري جارف، تعرف قبل غيرها أنه إذا نجح فهي الخاسرة الأولى بعد أن استثمرت في سوريا اقتصاديا وسياسيا وأمنيا.

العقبة الأهم أن إيران تحمل نفس جذور القلق الذي حملته العواصم العربية المنتفضة، ولها تجربة لم تمض عليها إلا سنوات قليلة، وآثارها ما زالت في الشارع الإيراني، وهي الثورة الخضراء التي يمكن أن تندلع في أي وقت. أمام هذه الحزمة من المتغيرات لن يكون مستغربا أن تلجأ إيران إلى العنف.

لقد فسر البعض في طهران أن العقبات الذي تواجه الطموح الإيراني في الأساس تكمن في المملكة العربية السعودية، التي، أولا، تدخلت بحزم في البحرين بمشاركة قوات درع الجزيرة، وثانيا بالمطالبة الصريحة والحازمة بموقف ضد القتل الذي يحدث للشعب السوري، الذي يصل إلى مرحلة حرب الإبادة. بيان خادم الحرمين قبل أسابيع في شجب ما يحدث للشعب السوري من قتل كان أوضح ما يكون. إذا أضفنا إلى ذلك نشاط دول مجلس التعاون في الدعوة إلى إيجاد حل سياسي، وربما دولي لمسلسل الانتفاضة والقتل الدائر في مدن وريف سوريا، كل ذلك يربك الإدارة الإيرانية الحالية.فبعد سلسلة من الانتصارات السياسية في كل من العراق وسوريا ولبنان، تخسر مواقع وتهدد بخسران مواقع أخرى، أي ينكفئ المشروع الإيراني في الخليج وفي الجوار.

في ظل كل تلك الأحداث ليس من المستبعد أن تقوم بعض الأجهزة في طهران بمحاولة تحسين صورة الأعمال العنيفة ضد من تعتقد أنه حجر العثرة لسياستها، ويتحول الصراع القائم بالفعل من صراع سياسي معروف ومشهود إلى صراع عنفي في شكل سلسلة اغتيالات من أجل ضرب عصفورين بحجر واحد، المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، عن طريق استهداف السفير السعودي في واشنطن، ومن ثم خلط الأوراق، على الأقل مؤقتا، لصرف النظر عن الساحات الساخنة.

ليس مهما أن تتبرأ طهران من العمل، المهم هو رد فعل الولايات المتحدة. وإذا اعتقدت الإدارة الأميركية أن ردة الفعل يجب أن تتوجه إلى طهران، فهي تغوص في مستنقع، أولا لأن أي ردة فعل سياسي أو اقتصادي، لن تؤثر في موقف إيران، بل وسوف تزيده تشددا، خاصة أن إدارتها الحالية تبحث عن مبررات لإسكات الاحتجاجات المحتملة المتوقعة في المدن الإيرانية تشبها بربيع العرب، وثانيا أنها أشبعت مقاطعة وحصارا، حتى لم يعد للحصار مكان آخر يمكن أن ينشب فيه ويؤثر.

الرد يجب أن يكون في مكان آخر، وهو تعضيد الانتفاضات العربية فعلا لا قولا، والنظر في تمتين ساعد المجلس الانتقالي السوري، والأخذ بيده إلى مكان أكثر رحابة على المستوى الدولي، وأيضا النظر بشكل مختلف للموضوع الفلسطيني، الذي لم تجد طهران إلا هو، للدعوة حوله لمؤتمر الأسبوع الماضي، كونه عصى الرحى للمشاعر العربية التي يدميها هذا الصلف الإسرائيلي، تجاه بشر ظلموا كما لم يظلم شعب في القرن العشرين.

من خلال هذين الجناحين؛ تعضيد الربيع العربي بشكل فعال، وإنصاف الفلسطينيين، يمكن أن يدرس الرد على المواقف غير العقلانية الإيرانية الأخيرة، وهي مواقف أيضا يحسن قراءتها على أنها مرتبكة ومتسرعة ومفلسة، أما الحديث عن قرارات في مجلس الأمن أو التشديد في الحصار على إيران فهو سياسة لا توتي ثمارها.

آخر الكلام:

في الخليج مشكلات هيكلية وجب النظر إليها بشكل جماعي، أولها انحراف التوازن بين مخرجات التعليم وسوق العمل، الذي يفرز البطالة، وثانيها إصلاح آليات الحوكمة وإدخالها إلى العصر، بذلك لا بغيره تجفف منابع الوسن الذي تستفيد منها القوى الطامعة.