لكانت تنتظر على حافة الجفن

TT

هناك خيالات ليلية، لا هي أحلام ولا هي كوابيس. ليست فيها متعة الحنين ورؤية الغائبين، ولا فيها رعب الكوابيس وصراخها وغضبها ويأسها. ولا أعرف ماذا تسمى هذه الظلال المزعجة. غالبا أرى فيها أناسا أحب أن أنساهم، في الليل، وفي النهار. يدخلون على ليلي ويناقشون وأضطر متأدبا إلى الاستقبال، وإلى النقاش، وأنا أشعر في داخلي بضيق. وعندما أستيقظ يبقى ثقل الحلم وكأنه حدث فعلا.

لست أعتقد في الأحلام ولا في ضرب الودع. ولا أعتقد أن العزة الإلهية سوف تساعد هذا الذي يريد معرفة رأيه تعالى، عن طريق استشارة ورق اللعب. فإذا جاء شاب «الكبة» قبل بنت «الديناري»، يعني هذا أن صفقة القمح التي يعقدها مع كندا، سوف تنجح، وإذا جاءت بنت «السباتي» قبل تسعة «البستوني» فعليه أن يكتفي بصفقة البطاطا مع بلجيكا!

أعتقد أن العقول التي تحمَّل خالقها هذه التفاصيل يجب أن تعيد النظر في معاني الإيمان. والعقول التي تربط أحلامها بقدرها، تعطي الأحلام أكثر مما تستحق، وتأخذ من القدر أكثر مما يُعقل. ومع ذلك فالأحلام جزء من حياتنا. وكلما كبرنا ازداد عددها وإلحاحها. وتبدو الثواني التي تدومها مثل أيام.

وعندي مشكلة حقيقية في هذا الأمر. أتمنى قبل أن أنام أن أرى أمي، ولا أحد آخر. لكنها لا تظهر. ولو كان للحلم حقا علاقة بالحياة، لكان طيفها سيكون في الانتظار بمجرد أن أغمض جفني. لكن لا طريقة لاستدعاء الأحلام، ولا لإبعادها. وليست هناك مسكنات مضادة للأحلام يأخذها المرء على سبيل الاحتياط قبل النوم. ولا هناك طريقة لتفاديها. فأحيانا أنام جالسا في مقعدي طوال الليل، ومع ذلك يحضرون، كأنما التمدد على السرير ليس شرطا، ولا بابا موصدا.

يأتي بعضهم ويقول إنه يريد الاعتذار. وأشعر بضيق. فلا أنا قادر على الرفض ولا أنا فاهم لماذا تمادى إلى ذلك الحد في الافتراء اللزج. عندما أفيق تبقى مشاعر الضيق معي طوال النهار. ضيق من حقيقة مضت لكنها تصر على العودة كرماد ليلي. شيء لم يعد له وجود في ذاكرة النهار، يصر على الظهور في ذاكرة الليل.

والذين نحبهم غمر العمر وأبد الدهر، لا يحولون على ديارنا ولا انتظارنا، كأنما لا يعرفون ماذا تفعل إطلالة الثواني في مصب السعادة. يا ليت كانت الأحلام كالكتب: أنت الذي تختار وكل ما عليك أن تقرأ. والكاتب أهم بما قرأ لا بما كتب، يقول أُنسي الحاج، المتألق أبدا في نثره الذهبي، ولذا يقترح أن تعطى نوبل للقراء. وسوف تكون أكثر صدقا.