وبقي 10 ملايين لم يحجوا

TT

منذ أربعة عشر قرنا والحج مناسبة أكثر من تعبدية، لا تتورع القوى المختلفة عن الصراع عليه وحوله. فالخلافة المسؤولة عن رعايته تستخدمه لمد نفوذها، والخارجون عليها كانوا يستغلونه لبرامجهم السياسية المعارضة. ولا يزال الحج موسما صعبا إلى اليوم، حيث حاول نظام معمر القذافي في الماضي استغلاله فأرسل في أكثر من مرة جماعات مسلحة، والغريب أن جماعاته لم يخفوا أسلحتهم، بل حملوها معهم في حقائبهم العادية، حيث تم الإمساك بها آنذاك في جمارك مطار جدة. وفجرت جماعة طائفية قنابل في مناطق الاحتشاد، وسعى تنظيم القاعدة إلى تحويل الحج إلى صراع لكن اختراق تنظيمه أفشل المحاولات. وأكثر فريق جرب تخريب موسم الحج هو النظام الإيراني، الذي تبنى هذا الأمر سياسة علنية، ولولا أنه لم يواجه بالقوة في البداية لربما صار الركن الخامس، أي الحج، مناسبة قتال متكررة. وبسبب الإيرانيين، وقبلهم حركة جهيمان المتطرفة من داخل السعودية، راح نحو سبعمائة قتيل في مكة، حيث توصلت الدول الإسلامية إلى مجموعة قرارات أولها وضع سقف لحجاج كل دولة، بحيث لا يسمح للحج لأكثر من ألف شخص عن كل مليون نسمة، وتم تخفيض عدد الحجاج الإيرانيين من مائة ألف إلى ستين ألفا، وأذعنت السلطات الإيرانية في الأخير للإجماع الإسلامي. وأقرت الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي - كما كانت تسمى - منع استخدام المناسبة السنوية الدينية للأغراض الدنيوية مثل السياسة. لكن إلى البارحة وإيران تصر على اعتبارها مناسبة للتعبير السياسي من دون أن تتجرأ على تحدي الدولة الراعية، السعودية، التي تعتبرها مناسبة تعبدية.

وفي نظري التحدي الكبير للقائمين على رعاية شعيرة الحج ليس سياسيا وأمنيا فقط، بل كذلك في مواجهة متطلبات الحجم الديموغرافي للحجاج المحتملين. فإذا كان مسموحا بالحج لألف من كل مليون مسلم، وفي العالم اليوم نحو ألف وأربعمائة مليون مسلم، فهذا يعني أنه يحق لأربعة عشر مليون مسلم الحج، اليوم مكة المكرمة ومشاعر الحج تغص بأربعة ملايين حاج ومن يقومون على خدمتهم. فما العمل لو قررت الملايين العشرة الباقية أداء فريضة الحج؟

حاليا، مكة ومشاعرها ورشة عمل ضخمة لاستيعاب المزيد، ولا يوجد في العالم مكان فيه حركة بناء مثل مكة، ورغم هذا الإنفاق الهائل فإن مكة ومشاعر الحج لن تستطيع استيعاب الحد الأدنى من المسموح به من الحجاج. وهذا يعني أن على الدولة أن تعيد التفكير في التحدي الأول، وهو مساحة المكان، بما يعنيه ذلك من تكاليف مخيفة. هناك سكة قطارات المشاعر تعمل عشرة أيام في السنة فقط، مما يجعلها أغلى قطارات في العالم نسبة لاستخدامها. ومن دون تحويل مكة إلى مدينة تستوعب عشرين مليون حاج في الموسم، وهو أمر لا مثيل له في العالم، فإن الحج سيبقى موضوع جدل لن ينتهي. ولا يعقل أيضا أن تترك كل المشاريع الإنمائية على كاهل الدولة بسبب ضخامة التكاليف، مما يعني أنه لا مناص من تطوير الجانب التجاري للحج، وهو الأمر الطبيعي لمكة المكرمة منذ ألفي عام، بعد رفع أساسات الكعبة في أيام سيدنا إبراهيم.

[email protected]