مستقبل حزمة إنقاذ اليورو بعد تطورات اليونان؟

TT

إن سحب رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو اقتراحه بإجراء استفتاء على مستقبل استمرار عضوية اليونان في منطقة اليورو وفوزه بأغلبية ضئيلة في اقتراع الثقة على رئاسته الذي أجري مساء الجمعة الماضي لا يعني أن خطة إنقاذ منطقة اليورو ستعود مجددا إلى مسارها الصحيح. فقد ألم بها ضرر هائل.

لقد وضع إعلان قادة الاتحاد الأوروبي عن خطة الإنقاذ الأخيرة في نهاية الشهر الماضي خارطة طريق للبدء في مواجهة بعض أهم عناصر أزمة ديون منطقة اليورو. وعلى الرغم من أن خطة الإنقاذ لم تكن بالضخامة التي قد أملها الكثيرون، لكنها كانت كافية. وعلى الرغم من أنها افتقرت للتفاصيل، لكنها خاطبت النقاط الأساسية. كان الهدف من الخطة أن تكون صاروخ بازوكا، ولكن بعد انجلاء الغبار وجدنا أنفسنا أمام بندقية «إيه كيه 47». ربما كانت الخطة ستنجح في نزع فتيل الأزمة، على الأقل لفترة، مع إنجاز القيادة السياسية لوعودها وحيازة الخطة لدرجة كبيرة من ثقة السوق.

وربما كانت قمة مجموعة العشرين التي عقدت في مدينة كان الفرنسية قد وفرت على المنتدى لقيادة الاتحاد الأوروبي الترويج للخطة، وعلى وجه الخصوص تمويل صندوق الاستقرار المالي الأوروبي الموسع. لكن دعوة رئيس الوزراء باباندريو إلى إجراء استفتاء للشعب اليوناني حطمت خطة الإنقاذ التي كانت ضعيفة بالأساس، بحيث لم يعد من الممكن استرجاعها، حتى بعد أن تم سحب الاقتراح لاحقا.

لقد طرح إعلان الاستفتاء خروج اليونان من منطقة اليورو باعتباره أحد البدائل التي يمكن النظر إليها بعين الاعتبار في المستقبل من قبل قيادة الاتحاد الأوروبي والساسة اليونانيين على السواء. وقبل الإعلان، دائما ما تمثلت المرجعية في كيفية إنقاذ اليونان بحيث يمكنها البقاء في منطقة اليورو. وكان خروج اليونان أو إخراجها من منطقة اليورو ينظر إليه على اعتبار أنه يمثل فشلا في معالجة الأزمة. والآن، يعتبر هذا خيارا سياسيا قيد الاعتبار.

ويؤكد الإعلان عن الاستفتاء أهمية العملية السياسية الديمقراطية التي تحيط بها الشكوك، في أغلب الأحيان، فيما يتعلق بتنفيذ خطط الإنقاذ التي اتفقت عليها قيادة الاتحاد الأوروبي. وهذا الأسبوع كانت 3 أيام من المناقشات السياسية اليونانية كافية لإفشال خطة الإنقاذ التي قدمها الاتحاد الأوروبي ودفع الأسواق المالية العالمية إلى حالة من الاضطراب. يمكننا فقط أن نتوقع المزيد من تلك الأيام والأسابيع والأشهر من اضطراب الأسواق وحالة عدم اليقين، بينما تحاول الحكومة الائتلافية الجديدة تلمس مواطئ أقدامها، وكذلك حيال ما إذا كان سيتم إجراء انتخابات وتشكيل حكومة جديدة أم لا. وليس هذا هو الحال في اليونان فقط، لكن أنجيلا ميركل واجهت، وسوف تستمر في مواجهة، صعوبات في إقناع الشعب الألماني بقبول دور ألمانيا كمقرض أخير في إطار خطط إنقاذ منطقة اليورو. كذلك، تناضل حكومة برلسكوني من أجل تنفيذ إجراءات التقشف المتفق عليها. وتمثلت خطوة إيجابية من جانب إيطاليا في طلبها أن يقوم صندوق النقد الدولي بمراقبة تنفيذها إجراءات التقشف، على نحو يزود بغطاء واقٍ ضد المخاوف من عجز القيادة السياسية في إيطاليا عن تنفيذ الإجراءات بنفسها.

لقد قوض أسلوب إعلان رئيس الوزراء باباندريو أي مظهر للشفافية والتضامن بين قادة الاتحاد الأوروبي. وبالطبع كان من المفترض أن تتم مناقشة قرار سياسي بهذا الحجم، أو على الأقل أن يكشفه رئيس الوزراء باباندريو لنظرائه في الاتحاد الأوروبي.

لقد ارتقت إجراءات باباندريو إلى درجة التفاوض من دون سلطة والعجز عن الكشف عن أنه يفتقر للسلطة. وأثناء المفاوضات والإعلان عن آخر حزمة إنقاذ، نجحت قيادة الاتحاد الأوروبي في الظهور على الأقل بمظهر الجدية ووحدة الهدف في مخاطبة الأزمة، وحظي الإعلان عن خطة الإنقاذ باستقبال جيد في السوق، على الرغم من أن الخطة كانت متواضعة في نطاقها وتفتقر إلى التفاصيل. وتضافرت أسواق الأسهم على مستوى العالم، وعلى وجه الخصوص أسواق أسهم البنوك والسلع، وتضاءلت الفروق الثانوية بين الديون السيادية في منطقة اليورو. وانقلب هذا الوضع برمته رأسا على عقب، حينما سادت حالة من الذعر في الأسواق بعد إعلان باباندريو عن إجراء استفتاء على خطة الإنقاذ.

لقد أسهمت حالة الذعر التي سيطرت على الأسواق بسبب إعلان باباندريو عن الاستفتاء في جعل خطة الإنقاذ غير كافية، ولم يعد لدينا صاروخ بازوكا أو حتى بندقية «إيه كيه 47»؛ بل أصبحت لدينا الآن طلقة رصاص واحدة. وسوف تؤدي حالة الشك المتزايدة وانعدام ثقة المستثمرين في منطقة اليورو وقيادتها إلى زيادة العراقيل التي تحول دون الحصول على التمويل لصندوق الاستقرار المالي الأوروبي البالغ حجم رأسماله تريليون يورو. وحتى قبيل إعلان باباندريو، كان إيجاد تمويل لصندوق الإنقاذ الأوروبي سيعد بمثابة تحدٍّ.

وقد بدت الصين رافضة للمساهمة، بخلاف احتمال مساهمتها عبر صندوق النقد الدولي. وجاء الرفض الصيني على الرغم من التشجيع القوي من الرئيس الفرنسي ساركوزي، نيابة عن الاتحاد الأوروبي، والرئيس التنفيذي لصندوق الاستقرار المالي الأوروبي، كلاوس ريغلينغ. وبدت بقية دول مجموعة «بريكس» رافضة أيضا للمساهمة في التمويل. والآن، تضاعفت حالة الشك، كذلك سيزداد رفض المساهمين المحتملين لتمويل صندوق الاستقرار المالي الأوروبي بدرجة أكبر. والدليل على ذلك فشل عملية إصدار السندات المخطط لها من قبل صندوق الاستقرار المالي الأوروبي هذا الأسبوع، وعدم إعلان قمة مجموعة العشرين عن أي تمويل لصندوق الاستقرار المالي الأوروبي.

وفي الأيام المقبلة لن تزداد صعوبة حصول صندوق الاستقرار المالي الأوروبي على التمويل اللازم فحسب، وإنما ستزيد أيضا احتمالية الحاجة إلى تمويلات إنقاذ جديدة أو تزيد احتمالية الحاجة إلى استغلال صندوق الاستقرار المالي الأوروبي في شراء السندات. إن الشك المتزايد وفقدان ثقة السوق قد زادا من الضغوط التمويلية على دول منطقة اليورو المثقلة بالديون، وسوف يستمران في زيادة ضغط التمويل الملقى على عاتق اقتصادات منطقة اليورو الثانوية، مما يزيد من احتمالية استغلال صندوق الاستقرار المالي الأوروبي في شراء السندات أو في زيادة حجم تمويل الإنقاذ. ويلاحظ أن العائد على السندات الحكومية الإيطالية التي أجلها 10 سنوات اقتربت هذا الأسبوع من مستويات الأزمة؛ حيث اقتربت من نسبة 7%. كذلك، من المحتمل أن يزداد الطلب على صندوق الاستقرار المالي الأوروبي للمساهمة في عمليات إعادة رسملة البنوك، في حال عجز اليونان عن السداد - أو خروجها من منطقة اليورو. يُذكر أن بنك بي إن بي باريبا أعلن أنه قام بشطب نسبة 60% من الديون اليونانية التي يحملها. ومن ثم، تبدو اختبارات تحمل البنك المعتمدة على أساس خصم نسبة 50% من الدين اليوناني غير كافية، وكذلك تقديرات عمليات إعادة رسملة البنوك المقدرة بـ108 مليارات يورو المعتمدة على هذه الاختبارات.

على الجانب الإيجابي، هناك خطة إنقاذ، وهناك قيادة جادة في الاتحاد الأوروبي عازمة على تنفيذها. وعلى الرغم من ذلك، ستكون هناك حاجة لزيادة حجم خطة الإنقاذ، كما سيكون لزاما على قادة الاتحاد الأوروبي بذل المزيد والمزيد من الجهد من أجل تنفيذها. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تستمر حالة الاضطراب في السوق.

* لويد شولتز مدير تنفيذي وشريك بشركة «إيميرجينغ غروث إنفستمنت بارتنرز» (إي جي آي بي) وهي شركة متخصصة في استثمارات الأسهم الخاصة والاستشارات في حي المال بلندن. وهو مصرفي ومحامٍ عضو في جمعية المحامين بنيويورك.. عمل سابقا في مصرف كريدي سويس ومصرف إندستريال بانك أوف جابان.