ما نرجوه من الأحزاب الإسلامية

TT

لقد دفع اليأس من أحوالنا شعوب الشرق الأوسط للتوجه للدين. هذا ما نفعله جميعا عندما نبتلى بمرض خطير، أو نفقد عزيزا علينا. وهو ما فعله الساسة والثوار في الربيع العربي. رفعوا راية الإسلام وفازوا بقصب السباق. السؤال الآن: ما الذي سيفعلونه؟ فالأحزاب الإسلامية لا تطرح أي برنامج واضح. وتصريحاتها تتناقض من يوم ليوم، ومن بلد لبلد، فالزعيم التونسي الغنوشي صرح في باريس بشيء علماني محض، ثم عاد إلى تونس وقال ما ينقض كل ما أدلى به في فرنسا. وصرح قادة الثورة في ليبيا بإلغاء كل ما يتعارض مع الشريعة ثم تراجعوا عنه.

الحقيقة أن الأحزاب الإسلامية في حيص بيص. فالمفروض فيها أن تلتزم بالشريعة، ولكنها عندما تواجه الواقع لا تجد منفذا لذلك. فحزب العدالة والتنمية في تركيا، لم يجرؤ حتى على تحريم الخمور أو منع السفور أو منع النساء من الاستلقاء في البلاجات بالمايوه، فضلا عن رجم الزاني والزانية. ما زالت دور البغاء على نشاطها في إسطنبول. الشيء الوحيد الذي أتذكره من منجزاتهم في إطار الإسلام هو إلغاء منع لبس الحجاب في الجامعات. تستطيع المرأة التركية الآن أن تتحجب بحرية. هذا هو الإنجاز الإسلامي الوحيد. وبعد محاولات يائسة في إيران لتطبيق رجم الزانية، تخلوا عنه عمليا الآن. وإذا حاول الغنوشي تطبيق الشريعة فستموت السياحة - المصدر المهم للاقتصاد التونسي وتشغيل العمالة.

لقد فاز الإسلاميون الآن بحكم عدد من البلدان الإسلامية. ويجلس الناخبون الآن ينتظرون ما الذي سيقومون به. بالطبع، لن يستطيعوا القضاء على البطالة، المطلب الرئيسي الآن، بل أتوقع أن تزداد في عهدهم. ولن يستطيعوا ضمان حرية الفكر أو سيادة العلم الحديث، فهذا يتطلب مثلا تدريس نظرية التطور في المدارس. إذن، فما الذي عليهم أن يباشروا فيه؟

دعوني أدلهم عليه. إنه القضاء على الفساد. طبقوا هذا الجزء من الشريعة، وأعني به قطع يد السارق. بالطبع لا أقصد بالسارق، النشال الغلبان الذي يسرق من جيبي بضعة دنانير، ولا الحرامي الذي يسطو على بيتي ويسرق ملابس زوجتي. أقصد به الرجل المثقف الذي نأتمنه على مالية البلاد فيسرق الملايين منها ويحولها للخارج أو يبني بها فيلات عامرة على البحر. اقطعوا يد مثل هؤلاء الحرامية. أهم من ذلك، احذروا أن تقعوا أنتم أيضا في سحر الفلوس فتفعلون ما فعله سلفكم. فالدينار له رنين ساحر. القضاء على الفساد والرشوة شيء تستطيع الأحزاب الإسلامية أن تتبناه، بل يجب عليها. ويمكنها أن تستعمل شتى ما يوصي به القرآن الكريم والسنة في قطع دابر هذا المرض. اقطعوا أيديهم وستجدون الشعب معكم في ذلك. وعلى هامش هذا المسعى وأنتم تؤكدون الاقتداء بالمسلمين الأوائل، فاسلكوا سلوكهم، سلوك الخلفاء الراشدين، رضوان الله عليهم، في زهدهم وبساطة عيشهم واكتفائهم بالقليل.

وأخيرا، تمسكوا بالحلم والسماحة عندما يصوت الشعب ضدكم وتسقطون من الحكم. فالواقع أنه ليس للأحزاب الدينية السياسية مستقبل في القرن الواحد والعشرين.