العرب.. ما العرب؟

TT

الأربعاء، 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، كان سياسيا يوم الخليج: علي عبد الله صالح يوقع في الرياض، أخيرا، مشروع الحل الذي رعاه الملك عبد الله بن عبد العزيز. وفي المنامة خطاب ملكي تصالحي مثير. في المشهدين دور سعودي واضح، ومبدأ سياسي وضعه الملك عبد العزيز كأساس لاستمرار الدولة: المصالحة خير من الانتقام.

الحقيقة أننا نشهد، ربما للمرة الأولى في الذاكرة، نجاح العرب كمؤسسة: على الرغم من الفوضى التي تغرق فيها مصر، تبدو الجامعة العربية ذات فعالية حقيقية، وللمرة الأولى أيضا، ينجح مجلس التعاون الخليجي في حل أزمة بحجم الأزمة اليمنية. وهذا يعني أيضا أنه ليست هناك أزمة «داخلية» في الأزمات المتفاقمة والحلول المتقاربة، التي نمر بها اليوم، مشرقا ومغربا واليمن السعيد.

وكل من حاول أن يلصق عنوانا واحدا للمرحلة، اكتشف أنه على خطأ في التوصيف وفي التحليل. فالذين اعتبروا الربيع العربي صناعة أميركية رأوا أن أصدقاء الأميركيين في طليعة الضحايا، بدءا بزين العابدين بن علي، ومرورا بحسني مبارك، الذي بعد تنحيه بستة أيام قامت الثورة على معمر القذافي الذي سلم الأميركيين تعويضات لوكيربي ومفاتيح الأسلحة المدمرة وعقود النفط الممتاز.

هذا لا يفيد سوريا كثيرا في القول إن الثورات تستهدفها كدولة ممانعة، لأنها بدأت في المقام الأول عند الدول التي لم تمانع في شيء. وإذا أبقينا حركات الاحتجاج العربية في إطار عربي أو دولي أو أميركي، فسوف يزداد تفسيرها تعقيدا. فالرئيس علي عبد الله صالح حليف لأميركا في أكثر النقاط دقة ومصيرية بالنسبة إليها، أي حيث تنمو «القاعدة» في الجبال وعلى خواصر حاملات الطائرات.

أن تكون المؤامرة قد بدأت في عربة محمد بوعزيزي العتيقة والزهرية اللون، فهذا إعطاء للطاقات الأميركية علامات تقدير أكثر مما تستحق. الحقيقة أن المؤامرة نشأت في صدأ الأنظمة العربية التي لم تنتبه إلى أن الوقت قد حان للتوقف قليلا عند ما توقف عنده النظام وما بلغته الشعوب. لم تنتبه الغطرسة المطمئنة إلى أن إشعال النار في جسد ضعيف قد يطمر بالرماد أصنام العجرفة. لم يدرك النظام العربي أن زمن الأجساد الضعيفة قد انتهى.

هذه مسائل لا علاقة لها بمطابخ صنع المؤامرات في العواصم المعتادة. طبعا الدول الكبرى والصغرى وما بينها، ليست غائبة ولا تدعي الغياب. إنها تحكي وتثرثر وترسل طائرات الأطلسي والمدربين البريطانيين إلى الصحراء. المسألة ليست هنا.. المسألة هي ألا تجعل مواطنك يختار الحلف الأطلسي ويهلل له ثم يطالبه بتأجيل الانسحاب. أليس فظيعا أن تعود فرنسا العسكرية إلى أرض المغرب العربي، وأن يعود البريطانيون إلى أرض ليبيا التي طردوا منها، بعدما كانت ذات يوم حليفتهم في إبعاد إيطاليا؟

طبعا مبكٍ التاريخ العربي، لأن النظام العربي كان دائما مبكيا. مليون شهيد لطرد الفرنسيين، و50 ألفا لإزاحة القذافي عن الصدور. وليس ما يرد طائراته وصواريخه و«أطزازه» سوى الأطلسي والعرب: «العرب؟.. طز في العرب»، قال وريث الفكر الأطزازي.