المتفاجئون بالإخوان!

TT

المفاجأة الحقيقية في الانتخابات العربية، في أي مكان، ليست في صعود الإخوان المسلمين، بل المفاجأة تكمن في حالة عدم صعودهم. فلو جاءت نتائج الانتخابات المصرية البرلمانية الحالية، مثلا، بنتائج تظهر عدم اجتياح الإخوان للدوائر الانتخابية، فهذا هو الخبر، وليس العكس.

أمس، خرجت إحدى الصحف المصرية بخبر عنوانه «المغرب تسجل أحدث حلقة في سلسلة صعود الإخوان للسلطة»! حسنا، وما المفاجأة في ذلك؟ ولكي نكون منصفين، فليست الصحيفة المصرية وحدها «المتفاجئة» بصعود الإخوان، بل هناك طابور من مدعي الحقوق، والليبرالية، والعلمانية، وتحديدا من يعيشون في وهم «تويتر»، و«فيس بوك»، ومثلهم «مثقفو الشارع» الذين يميلون مع من يميل، ويريدون التظاهر مع كل من تظاهر هكذا!

الإخوان حقيقة، وواقع، وقوة؛ لأنهم يعملون ليل نهار، ويعملون على الأرض، وليس عبر مواقع التواصل الاجتماعية، والإخوان قوة؛ لأن من يدعون أنهم مثقفون لا يكلفون أنفسهم عناء قراءة التاريخ، واستخلاص العبر. فإن أحسنَّا الظن بهم - أي بهؤلاء المثقفين - فهم عاطفيون، وإلا فأين هم من قراءة أحداث السنوات الخمس الماضية فقط، وليس العقود الخمسة؟ أين هم من مواقف إخوان حماس؟ وأين هم من مواقف الإخوان ككل مع حزب الله؟ وأين هم من مواقف الإخوان مع إيران؟ وأين؟ وأين؟

إشكالية من يصفون أنفسهم بالليبراليين - سواء في مصر أو غيرها - هي أنهم صوت لا يحرك ساكنا على أرض الواقع؛ لذا قلنا: لو حُجِّم الإخوان في انتخابات مصر الحالية فهذا هو الخبر والمفاجأة، فالقوى السياسية الأخرى في العالم العربي متشرذمة، وعاطفية، وليست ذات مشروع واضح ومحدد، حتى لو كان ذلك المشروع خطأ، إلا إذا اعتبرنا ركوب كل موجة يعد مشروعا، فهذا أمر آخر. خذ مثالا في مصر؛ فمنذ تنحي، أو إسقاط، مبارك والجميع مشغول بما يسمى «الفلول»، أو خطر السلفيين المدعومين من السعودية، أو تشكيك الشباب بالعسكر، وبالطبع كانت خطة إخوانية جهنمية هدفها تشتيت جهود الشباب والقوى السياسية الأخرى، بينما كان الإخوان يعملون على قدم وساق لتدعيم صفوفهم على الأرض، وكل من كان ينبه لذلك كان نصيبه وافرا من الشتائم والتخوين!

مثال آخر: انظر لمن تحمسوا لفكرة الأصولية أيام أسامة بن لادن، من مثقفينا، وتحت لافتة نصرة الدين، ثم هم أنفسهم، أي: المثقفون، تبنوا فكرة الممانعة بعد حرب لبنان 2006، ثم هم أنفسهم أيضا من تحمسوا للديمقراطية اليوم، ثلاثة تقلبات كبيرة في عشر سنين، كان يظهر في حواشيها بالطبع «هتيفة» لا قيمة لهم إلا المقدرة على التشويش، لكن نجومها هم أنفسهم لم يتغيروا، وكانوا دائما ما يتلاقون مع الإخوان نجوم تلك المراحل، ثم يأتون اليوم ليظهروا تفاجؤهم بالإخوان! فحتى النظام الأسدي الذي يشكو اليوم من الإخوان كان نفسه يعاشرهم سياسيا بالأمس القريب، وحماس الإخوانية أبسط مثال.

لذا، فإن حجم المتفاجئين اليوم بصعود الإخوان ما هو إلا مؤشر على خلل يستحق الكثير من النقاش.

[email protected]