أطول طابور في التاريخ!

TT

وقف المصري الطيب ساعات تحت المطر وصقيع الشتاء في أطول طابور عرفه تاريخ بلاده منذ 5400 عام! لم يكن هذا الطابور الممتد على مساحة 9 محافظات للحصول على دجاجة مجمدة، أو رغيف خبز، أو الحصول على راتب أو معاش حكومي، ولكن من أجل أن يدلي بصوته.

ومنذ بزوغ شمس الحياة على شعب مصر لم يعرف هذا الشعب الطيب انتخابات آمنة ونزيهة مثل تلك التي شهدها في الدور الأول لاختيار أول مجلس تشريعي عقب ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011.

سرت في شوارع القاهرة حتى أتلمس بنفسي حقيقة الموقف، فرأيت، كشاهد عيان، وجوها جديدة من البسطاء الفرحين الشاعرين بالعزة لأنهم لأول مرة سيقولون كلمتهم دون تزوير لإرادتهم.

امرأة في التسعينات يحملها ضباط وجنود الشرطة العسكرية كي تدلي بصوتها، عامل بسيط يحمل طفلته فوق رأسه حتى تشهد هذا الحدث التاريخي، محجبات، منتقبات، سيدات مجتمع يرتدين أحدث أنواع الأزياء الباريسية، يقفون بالساعات في حي الزمالك الراقي بلا تأفف.

إخوان، سلفيون بلحى طويلة، شباب يرتدي الـ«تي شيرت» والجينز، ربات بيوت، عمرو موسى يقف في طابور ممتد دون معاملة خاصة، ونبيل العربي بلا حراسة، نجوم الكرة والفن والإعلام، جميعهم يغمسون أصابعهم في الحبر الفسفوري دون شكوى!

المشهد يدعو للتفاؤل، ولكن دعوني أقل لكم إنه يجب أن يكون ذلك التفاؤل الحذر! لماذا أقول ذلك؟ هذا المجلس، حتى لو اكتملت دوراته الثلاث في الانتخاب، هو مجلس تنتهي ولايته، عرفا ودستوريا، عند انتخاب رئيس جديد ودستور جديد في العام المقبل، إلا إذا جد أمر في الترتيبات السياسية.

هل يستمر المجلس بعد الرئيس، وقد يستمر بعد عمل دستور جديد؟ الله أعلم.

أهمية هذا المجلس تكمن في الآتي:

(1) أنه أول مجلس يتم اختياره في انتخابات نزيهة غير مزورة.

(2) أنه أول مجلس تشريعي بعد الثورة.

(3) أنه - وهذا الأهم - الذي سيختار الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور الجديد. وبناء على تركيبة هذا المجلس، ستكون اختياراته للجمعية التأسيسية، وبالتالي سيكون شكل دستور مصر المقبل. الدورة الأولى التي مرت حتى الآن بسلام - قبل الإعادات - «هي بروفة» للدورتين المقبلتين. والمجلس كله، هو بروفة مجلس ما بعد الدستور الجديد. إذن نحن اليوم في مرحلة بروفة البروفة!

وعلى الرغم من الفرحة بالانتخاب فإنه يجب ألا ننسى أن ميدان التحرير ما زال يتألم نتيجة دماء شهدائه، والسلاح المسروق والمهرب ما زال في الأقاليم والصعيد، والمال السياسي ينفق ببذخ! وعند إعلان نتائج الدورة الأولى، فإن الرابح سوف يستقوي مبكرا، والخاسر قد يعلنها حربا على الجميع بمنطق علي وعلى أعدائي. إذن نحن أمام إيجابيات الأمن والنزاهة والمشاركة الحقيقية الرائعة. ونحن أيضا أمام مخاوف السلاح والمال والصدام السياسي. اللهم احفظ هذا البلد واجعله آمنا.