الحرب المتصورة بين الولايات المتحدة وإيران

TT

تعتمد طريقة شن الحرب، كما تعتمد نتائجها إلى حد ما، على كيفية تصور الخصوم لها قبل بدايتها.

وهكذا فالسؤال الذي ينبغي أن نطرحه مع تصاعد حدة التوترات بين الجمهورية الإسلامية وخصومها المحتملين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، هو: ما هو تصور الطرفين للحرب المتوقعة بينهما، والتي يجب علينا أن نأمل ألا تحدث؟

الاستبعاد الظاهري للرئيس محمود أحمدي نجاد في طهران من اتخاذ القرار يعني أن الجمهورية الإسلامية قد أصبحت للمرة الأولى، منذ عام 1989، تحت سيطرة قيادة منفردة يرمز إليها «المرشد الأعلى»، علي خامنئي.

وعلى الرغم من أن خامنئي - الذي يحب أن يطلق على نفسه حاليا لقب «الإمام» - من الممكن جدا أن يكون دمية في يد الجهاز الأمني العسكري، فإن ما يهمنا الآن هو أن الوقت الذي كان يمكن فيه سماع أصوات مختلفة داخل مؤسسة الحكم قد انتهى، حيث تم تقليص مؤسسة الرئاسة بجعلها مصدر إحراج وتحول مجلس الشورى الإسلامي، الذي من المفترض أنه مجلس تشريعي، إلى ناد لتملق «الإمام»، خامنئي، الذي يعتقد هو وحاشيته أن الحرب مع الولايات المتحدة قد أصبحت أمرا لا مفر منه، ولكن ترى ما هو تصورهم للشكل الذي ستكون عليه مثل هذه الحرب؟

لمح خامنئي في خطاب ألقاه الشهر الماضي إلى أن طهران مستعدة للتخلي عن 32 عاما من الحرب المنخفضة الحدة ضد الولايات المتحدة لصالح استراتيجية عالية الحدة. وأضاف قائلا: «إننا لسنا من نوعية الدول التي تجلس ولا تحرك ساكنا بينما هي ترى قوى ضعيفة مصنوعة من القش وفاسدة حتى النخاع تهدد أمتنا الراسخة القوية كالفولاذ، حيث إننا نعرف كيف نهاجم، في حالة إذا ما تم الاعتداء علينا».

وقال الجنرال محمد باقري، نائب قائد فيلق حرس الثورة الإسلامية (الحرس الثوري) لمجلس الشورى الإسلامي، بعد ذلك بأربعة أيام، إن خطاب خامنئي أشار إلى «تغير في السياسة الدفاعية الإيرانية».

وأشار باقري إلى أن الاستراتيجيين في طهران يعتقدون أن الولايات المتحدة ستشن سلسلة من الضربات الجوية ضد الجمهورية الإسلامية قبل قيامها بشن هجوم بري، وأنه عندما تبدأ الحرب على الأرض، فإن حجم إيران الضخم وتضاريسها الصعبة سيؤديان إلى هزيمة «الغزاة».

وأضاف الجنرال قائلا: «القتال الذي سيدور على الأرض هو الذي سيحدد نتيجة الحرب، حيث تنتمي أرض إيران إلى الشعب الإيراني».

وعندما نضع الخطابين بجوار بعضهما البعض، سنجد أن تصور طهران للحرب يمكن تلخيصه في أن الأميركيين سيقصفون المواقع النووية الإيرانية التي يشتبهون في كونها كذلك، في نفس الوقت الذي سيقومون فيه بتجميع القوات استعدادا لشن غزو بري. وسوف تثأر إيران من خلال مهاجمة القوات الأميركية في المنطقة، في نفس الوقت الذي ستأمر فيه الفرع اللبناني لحزب الله وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية بإطلاق صواريخ ضد إسرائيل. وسوف يستمر الصراع لبضعة أسابيع بعد ذلك، حيث الخسائر المتزايدة في صفوف القوات الإسرائيلية والأميركية، والتي ستكون مصحوبة بمظاهرات مناهضة للحرب في جميع أنحاء العالم، ستجبر واشنطن على وقف «العدوان». وستخرج «الإمامة» من هذه المعركة جريحة ولكنها ستكون ما زالت على قيد الحياة، محافظة على هيبتها وسلامة مشروعها النووي.

ولكن كيف سيكون الوضع إذا لم تحدث الحرب بالشكل الذي يتصوره خامنئي؟

أولا، قد تكون الضربات الجوية الأميركية أكثر قوة وتأثيرا مما تتصوره طهران، حيث إن الولايات المتحدة قد ضاعفت قوة نيرانها بمقدار أربعة أضعاف منذ حرب العراق، كما قامت بتصنيع قنابل «خارقة للتحصينات» قادرة على تدمير أعمق المخابئ الجبلية في أماكن مثل فاردو، حيث تعد هذه القنابل واحدة من أقوى الأسلحة الموجودة في العالم، فهي تحتل المرتبة الثانية بعد الرؤوس الحربية النووية من حيث القوة التدميرية، وفقا لمركز الدراسات الاستراتيجية، وهناك نحو 400 من هذه القنابل تم تجهيزها بالفعل وتوجيهها نحو إيران.

وثانيا، ليس من المؤكد أن تقتصر الضربات الجوية الأميركية على المواقع النووية، حيث قد يفكر الاستراتيجيون في الولايات المتحدة في القضاء أولا على ما تملكه إيران من أصول جوية وصاروخية وبحرية يمكن استخدامها للدفاع عن المواقع النووية، كما قد تتطلب محاولة تدمير مثل هذه الأهداف تفكيك أنظمة القيادة والسيطرة الإيرانية أولا.

ووفقا لدان بليش من جامعة لندن، فإن الولايات المتحدة «تستعد بكامل طاقتها لتدمير إيران»، حيث تخطط لتدمير أكثر من 10000 هدف في إيران في غضون ساعات قليلة، ونظرا لأن المواقع النووية الإيرانية المشتبه بها لا يزيد عددها عن اثني عشر موقعا، فمن الواضح أن الأصول العسكرية الإيرانية التقليدية والمراكز الاقتصادية والصناعية تمثل الغالبية العظمى من هذه الأهداف.

ولن يكون الثأر من القوات الأميركية «في المنطقة» ذا صلة بالصراع، حيث سيكون هناك عدد قليل من القوات الأميركية في العراق بحلول نهاية العام لكي يقوم تنظيم جيش المهدي، وغيره من الجماعات التي تمولها إيران، بمناوشتها، كما ستعتبر مهاجمة القوات الأميركية في أفغانستان بمثابة إعلان حرب على حلف شمال الأطلسي.

وعلى أي حال، فإن الضربات الجوية الأميركية سيتم تنفيذها من قبل القوات الجوية الأميركية التي تعمل من جزيرة دييغو غارسيا، الواقعة في المحيط الهندي، وبالتالي فإنها ستكون بعيدة تماما عن أي محاولات للثأر قد تتصورها طهران.

وإذا ما تم تدمير أصول إيران النووية والعسكرية والاقتصادية فلن تكون هناك مصلحة تذكر الولايات المتحدة في غزو دولة فاشلة.

وتهديد خامنئي بإغلاق مضيق هرمز هو أيضا أمر مشكوك في جدواه، حيث سيحتاج الأمر لشهور طويلة حتى يُحدِث غلق هذا الممر تأثيرا ملموسا على إمدادات النفط العالمية، وعلاوة على ذلك، فإن افتتاح خط أنابيب الفجيرة سيحد من تأثير أي محاولة لإغلاق مضيق هرمز، كما أن إغلاق مضيق هرمز سيخرج إيران نفسها من سوق النفط.

ولكن ماذا عن تصور الولايات المتحدة بشأن الحرب مع إيران؟

لقد عادت الولايات المتحدة، في ظل إدارة باراك أوباما، إلى مبدأ الحرب من مسافة بعيدة الذي تخلى عنه الرئيس الأميركي السابق، جورج دبليو بوش، في غزو أفغانستان والعراق.

وتتصور واشنطن في الوقت الحالي قيامها بشن حرب قصيرة من الجو، بحيث تمكن المعارضين داخل المؤسسة الخمينية من الإطاحة بخامنئي، على غرار ما حدث لسلوبودان ميلوسيفيتش في صربيا.

ولكن قد يقوم النظام الخميني، الذي سيكون ما زال على قيد الحياة رغم كونه مصابا، بقبول إيقاف المشروع النووي الإيراني لكي يكسب وقتا لقمع المعارضين في الداخل، وقد يقوم نفس النظام في فترة لاحقة، بعد سنة أو خمس سنوات، باستئناف مشروعه النووي.

وسيظل النظام الخميني في أي حال من الأحول شوكة في خاصرة الولايات المتحدة وحلفائها، حيث يدير خامنئي نظاما لا يمكن إصلاحه، لأن ما يفعله هذا النظام من أمور يمليه عليه الحمض النووي السياسي الخاص به، وبالتالي فالسؤال الذي يتوجب على أوباما أن يطرحه قبل أن يبدأ في إشعال حرب هو ما إذا كان العمل العسكري سيغير من تركيبة هذا الحمض النووي السياسي أم لا.