حماية الآمنين مسؤولية الجميع

TT

الأخبار الواردة خلال الأيام والأسابيع الأخيرة عن «أشرف» لا تبشر بالخير. يبدو أن الحكومة العراقية وبدفع من حكم ولاية الفقيه في إيران تريد الإجهاز على معقل «مجاهدين خلق» في العراق. هذا ما كنا نخافه منذ أعوام ونحذّر الجميع من وقوعه. كل المؤشرات تقول ذلك إلّا أن تهبّ الأطراف المعنية بسرعة لمنعه.

منذ أشهر كانت هناك تطورات مهمة جدا في قضية «أشرف»، أشير إلى بعض منها:

- السيدة كاثرين أشتون ممثلة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية بعد ما أدانت بكل قوة مجزرة 8 أبريل الماضي في «أشرف» نصبت السفير جان دورويت مندوبا خاصا لها في قضية «أشرف».

- أعلنت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أنها تعتبر سكّان «أشرف» طالبي لجوء وأنهم يحظون بحماية القانون الدولي.

- الكونغرس ومجلس الشيوخ الأميركيان قاما باستجواب المسؤولين في وزارة الدفاع ووزارة الخارجية بشأن مسؤولية أميركا لحماية سكان «أشرف».

- أعرب الأمين العام للأمم المتحدة في آخر تقريره «عن قلقه إزاء الخسائر في الأرواح في مخيم أشرف خلال أحداث ابريل» ودعا «الدول الأعضاء إلى المساعدة في دعم وتيسير تنفيذ أي ترتيب يكون مقبولا من الحكومة العراقية وسكان المخيم».

- السفير الأميركي لورانس باتلر الذي ركّز في لقاءاته مع قادة سكّان «أشرف»، على نقل السكّان إلى مكان آخر داخل العراق فشل في محاولته وخرج من الساحة.

- خطة البرلمان الأوروبي لنقل السكّان إلى دولة ثالثة لقيت ردودا إيجابية من بعض الدول. لا شك أن تطبيق هذه الخطة مرهون بتقدم برنامج عمل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في تسجيل السكّان وإعطائهم موقع اللاجئ السياسي.

هذه هي أهم التطورات الإيجابية. لكن يؤسفني القول بأن الجانب السلبي خلال هذه الفترة كان أكثر من الجانب الإيجابي. على سبيل المثال لا الحصر:

* لم تبد الحكومة العراقية أي حسن نية لحلّ قضية «أشرف» بشكل سلمي ومارست مختلف صنوف القيود والمضايقات والتعذيب ضد سكّان «أشرف».

* أعلن أوباما أن جميع القوات الأميركية ستغادر العراق قبل نهاية هذا العام. نحن نعرف أنه خلال الهجومين السابقين على سكّان «أشرف» وارتكاب المجازر كانت القوات الأميركية موجودة لكنها أدارت ظهرها للواقع المرّ. أكثر من ذلك، كان وزير الدفاع الأميركي في كلتا الحالتين موجودا في العراق! على أي حال، خروج القوات الأميركية من العراق يفتح الطريق لهيمنة النظام الإيراني المطلقة، ومن ثم إملاء إرادته كاملة على الحكومة العراقية للقضاء على «أشرف» وساكنيه.

* أعلنت حكومة المالكي خلال هذه الفترة مرات عدة على لسان أعلى المسؤولين فيها، أنها عازمة على إغلاق المعسكر قبل نهاية هذا العام. وذلك رغم أن كثيرين، بينهم المفوض السامي للّاجئين، طلبوا تأجيل المهلة وإعطاء الفرصة لإمكانية تسجيل السكّان كلاجئين ونقلهم إلى بلدان ثالثة.

* سكّان «أشرف» قدموا طلباتهم الفردية للجوء إلى المفوضية العليا في شهر أغسطس، وفي 13 سبتمبر أعلنت المفوضية أنهم يعتبرون طالبي لجوء تحت الحماية الدولية، لكن الحكومة العراقية خلقت عراقيل خلال الشهرين الماضيين حتى لا تستطيع المفوضية إجراء الحوارات مع السكّان وإعطاءهم موقع اللجوء الرسمي.

* لم يسمح هوشيار زيباري وزير خارجية العراق بقيام بعثة البرلمان الأوروبي للعلاقة مع العراق بزيارة «أشرف»، كما أن المالكي نفسه لم يسمح لوفد الكونغرس الأميركي بالقيام بمثل هذه الزيارة. إن سكّان «أشرف» يعيشون تحت حصار تامّ وشامل ولم يستطع أحد زيارة «أشرف» منذ ثلاثة أعوام.

* في 23 أكتوبر أعلن مساعد وزير الخارجية الإيراني أن الاتفاق الموجود بين النظام الإيراني وحكومة المالكي لإغلاق وقمع «أشرف» يضمّ سبعة بنود!

* بعد تعيين مندوب خاص للاتحاد الأوروبي لـ«أشرف»، استخدمت الحكومة العراقية كل مساعيها الدبلوماسية لمنعه من القيام بمهمته. ففي لقاء للسيد زيباري في بغداد مع سفيرة الاتحاد الأوروبي أبدى تحفظه على هذه المبادرة، كما شدّد في لقائه بالسيدة أشتون في نيويورك على معارضته لهذه المبادرة، وبعد ذلك لم يسمح له القيام بمهمته للبحث عن مخرج لهذه القضية.

* وفي 15 من هذا الشهر بعثت السفارة العراقية في الاتحاد الأوروبي برسالة إلى البرلمان الأوروبي شرحت فيها مواقف الحكومة العراقية تجاه مجاهدين خلق وقضية «أشرف». وجاء في هذه الوثيقة أن «الحكومة العراقية لا خيار لها سوى إخلاء المخيم.. ونقل السكان إلى مخيمات أخرى في العراق»، وأن منظمة مجاهدين خلق منظمة إرهابية، وجودها في العراق مناف للدستور وأن «وجود هذه المنظمة في العراق يعتبر تهديدا لأمن الدول المجاورة»، وأن «العراق، يريد بناء علاقات سلمية مع الدول المجاورة له (إيران)»، وأن «ثمة شكاوى ضد أعضاء هذه المنظمة.. وأن عددا كبيرا منهم تم إصدار قرارات القبض عليهم عراقيا ودوليا». وفي تحدٍ سافر لبيان المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، صرّحت الحكومة العراقية في هذه الوثيقة بأنها لا ترى موقعا قانونيا لسكان «أشرف».

لذا، أصبح من الواضح أن الحكومة العراقية تصرّ على غلق المخيم قبل نهاية هذا العام، وأنها تعمل لعدم إمكانية نقل السكّان إلى دولة ثالثة، فتريد نقل السكّان إلى أمكنة أخرى داخل العراق. وهذا يعني ارتكاب مجزرة كبرى ضدهم. لأنه من الواضح بمكان بأن لا معنى لترحيل السكّان إلى أمكنة أخرى سوى تسهيل القضاء عليهم، أو تسليمهم إلى قوات القدس الإيرانية التي لها قول الفصل في العراق. فخطة النقل القسري للسكّان معناها «دفعهم نحو المذابح» كما صرحت به السيدة رجوي في بيانها. فهذا الخيار محرّم في القانون الدولي وفي المنطق. ومن المستحيل أن يقبل به أحد من السكان.

وتبذل الحكومة العراقية قصارى جهدها، من خلال حملات تشويه وتضليل ضد مجاهدين خلق، لفرض هذه الخطة الإجرامية على الولايات المتحدة والأمم المتحدة والسيد مارتين كوبلر الممثل الخاص الجديد للأمين العام للأمم المتحدة في العراق وتوحي بأن النقل القسري داخل العراق حل سلمي للملف.

وأهيب بالممثل الخاص للأمم المتحدة في العراق أن لا ينخدع بوعود وأقوال الحكومة العراقية بأنها تريد حلّا سلميا لهذه القضية.

* رئيس وزراء الجزائر الأسبق ورئيس اللجنة العربية الإسلامية للدفاع عن «أشرف»