الحرب.. رؤية مختلفة!

TT

يعتبر البحث في مصطلح (الحرب) من أكثر المسائل حضورا، خاصة في الأدبيات السياسية الغربية. إذ يدور جدل عميق بين من اعتبروا الحرب تشريعا للقتل والاعتداء ومن يرون فيها حالة ضرورية لبقاء العنصر البشري وازدهار حضارته. ومن ثم تبرز أهمية دراسة هذا المفهوم لنا والمعايير التي تحدده وتعرفه من وجهة النظر الغربية. فالحرب لدى البعض ليست مجرد رديف لتعبير (الدمار) كما هو سائد ومستقر في الأذهان، بل هو أوسع من ذلك. وممن خاض في هذا الموضوع البروفسور الأميركي جون موللر. الذي له عدد من الكتب والبحوث حول هذا المفهوم، ومنها بحثه المنشور في دورية الجمعية الأميركية للعلوم السياسية (عدد 124، لصيف عام 2009)، تطرق فيه إلى تعريف الحرب بأنها: الصراع المسلح بين دولتين، أو بين الحكومة ومجموعات مسلحة داخل الدولة (الحرب الأهلية).. وقال إن مصطلح الحرب لا يطلق إلا إذا تجاوز عدد القتلى الألف خلال العام الواحد، سواء قتلوا بأسباب مباشرة كالجنود، أو غير مباشرة كالضحايا الأبرياء الذين تقع الحرب على أرضهم أو قريبا منهم وينالهم لهيبها. فيدخل تحت هذا المصطلح كثير من الصراعات الكبرى مثل الحرب العالمية الأولى والثانية والحرب الكورية، والإيرانية العراقية ونحوها.. أما حين يكون عدد القتلى أقل من الألف خلال العام، فإنها تسمى صراعا مسلحا وليست بحرب. وربما تسمى إرهابا أو مظاهرات منظمة.

وقسم موللر الحرب إلى أربعة أنواع: حروب بين الدول المتقدمة، وحروب دولية، وحروب استعمارية أو إمبريالية، وأخيرا حروب أهلية.

يشير موللر إلى أنه قبل عام 1914 كان العالم المتقدم ينظر إلى الحروب على أنها أمر مقبول وحتمي، بل يرى البعض أنها أمر مرغوب فيه لحل المشكلات بين الدول، وربما ذهب البعض إلى أنها (أي الحرب) مهمة لتطهير الدولة من صدأ السلام.. ففي عام 1871، صرح المفكر الفرنسي إرنست رينان بأن الحروب أحد شروط التقدم، باعتبارها تمنع الدولة من الاستغراق في النوم. ثم في عام 1891، ذكر الروائي والكاتب الفرنسي إميل زولا أن الحرب هي الحياة نفسها. «فلا بد أن نبتلع الآخرين ويبتلعونا ليحيا العالم». ليؤكد بعد ذلك أن الدول المحاربة هي وحدها التي تتقدم.

وبعد الحرب العالمية الأولى تغيرت هذه النظرة، فلم يعد أحد من المثقفين الغربيين يرى الحرب بنفس العين السابقة، وفقدت الحروب إغراءها التقدمي، إن صح التعبير. ولأول مرة في تاريخ البشرية عامة، ينعقد الإجماع شبه التام على أن تعمد شن الحرب يعد أمرا غير مبرر، مما حدا بالمؤرخ البريطاني أرنولد توينبي أن يصف التطور في النظرة للحرب بأنه: «نهاية دوامة خمسة آلاف سنة من كون الحروب هي المؤسسة الرئيسية المحرك لبقاء العنصر البشري».

وبالطبع، فإن تغير نظرة العالم المتقدم للحروب لم يكن كافيا لمنع تلك الدول نفسها من الدخول في حروب، فوقعت الحرب العالمية الثانية بين عامي 39 – 45 من القرن الماضي. ثم بعد ذلك، نجحت الدول المتقدمة في تجنب الحروب في ما بينها، ولكن ذلك لم يمنعها من التورط في الحروب الاستعمارية، والحروب الناتجة عن الحرب الباردة بين عامي 45 و89 من القرن الماضي، كحرب فيتنام والحرب البوليسية ولاحقا حرب الإرهاب في أفغانستان والعراق.

من أجل ذلك، يؤكد أستاذ العلاقات الدولية البريطاني - الأميركي كولين غراي الذي عمل لعدة سنوات مع الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، «أن الحرب سمة إنسانية، ستظل باقية ما بقي الإنسان على هذه الأرض. كما يرى أن الحروب بين الدول بما فيها الدول المتقدمة ما زالت قابلة للحدوث وبشكل كبير»! فهل سوف تستمر حالة السلام العالمية الحالية بين الدول المتقدمة؟ - وهذا ما ننشده - أم أن البشرية ستشهد في العقود القادمة عودة الحرب بين هذه الدول!