الفن المصري في عهد الإسلاميين

TT

قبل أن أدلف للموضوع، هاكم هذه الطرفة السياسية الفنية التي ولدت من رحم سيطرة الإسلاميين على أصوات الناخبين، قيل لفنان مصري: لا وجود لفنك في ظل حكومة الإسلاميين المنتخبة، هتعمل إيه؟ فرد الممثل ببديهية طريفة: «صدقني مش هيستغنوا عني، لأنهم لازم يعملوا تمثيليات دينية، وهيكون فيها كفار!!!».

والحقيقة أن المسألة جد لا هزل فيها، فالمصريون لا يعرفون بالضبط حين يسيطر الإسلاميون على مفاصل النظام كيف سيتعاملون مع الفن المصري والمسارح والكباريهات والديسكوهات وملاهي شارع الهرم واحتفالات رأس السنة وحفلات الأوسكار المصرية الفاتنة، الكل ينتظر بلهف لهذا التعامل، الكارهون لهذه الأشياء المتمنون زوالها، والمحبون لها المشفقون على مستقبلها، خاصة أن الكل يعرف، المتفقون معهم والمختلفون، أن جل أدبيات الإسلاميين وخطبهم ومحاضراتهم ومقالاتهم تقوم على النقد الشديد لهذه المظاهر؟ بل، وهذا هو الأخطر، لم يكن لهم هذا النفوذ والشعبية وحصد أصوات الناخبين لولا مثل هذه الانتقادات لهذه «المنكرات» والوعود بتغييرها.

والمسألة الأكثر تعقيدا حين يكون «الإخوان المسلمون» أكثر براغماتية من السلفيين، فيؤجلون الالتفات إلى هذه «المنكرات»، أو يبرمجونها، أو لا يلتفتون إليها أصلا، ويركزون على التنمية ومكافحة الفقر والفساد المالي والإداري والبطالة، وحل مشكلة الانفلات الأمني، وهذا هو المتوقع منهم، وينصرف منافسوهم السلفيون، الذين هم أقل براغماتية وأقل أخذا بأنصاف الحلول «للنهي عن المنكر»، وهو أيضا المتوقع منهم.

قد يقول قائل: وأين التعقيد إذا تحول هذا الاختلاف بين «الإخوان» والسلفيين تجاه هذه المظاهر إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد؟ أو لنقُل توزيع مهام، فيركز «الإخوان»، الأكثر انغماسا في السياسة، على التنمية ومكافحة الفساد السياسي وإدارة العلاقات الخارجية، وينصرف السلفيون الأقل انغماسا في السياسة للتفرغ «لتطهير» المجتمع المصري من فساد هذه «المنكرات»؟

بالتأكيد المسألة أكثر تعقيدا من هذا التبسيط، لأن الجمهور المصري لن يفهم حكاية «اختلاف التنوع لا اختلاف تضاد» ولا حكاية «تبادل الأدوار»، كما تفهمها النخب المصرية، بل سيرى الجمهور أن في هذا دليلا على صدق تدين السلفيين وجدية وعودهم، وتلون «الإخوان» وتلوث برنامجهم، وهذا بالتأكيد سيزيد من شعبية السلفيين على حساب «الإخوان»، ومن ثم ترجيح كفة السلفيين، أو في أقل الأحوال، تقليص حصاد أصوات الناخبين لصالح «الإخوان» في أي انتخابات قادمة.

بالمختصر المفيد، السلفيون المصريون، وعلى الرغم من هامشية الاختلاف المنهجي مع «الإخوان»، فإنهم سيربكون تنفيذ برنامج «الإخوان»، كما أربكوهم حين غير «الإخوان» استراتيجيتهم في الاكتفاء بالـ30 في المائة من أصوات الناخبين بسبب منافسة السلفيين الشرسة، وكما تفاجأ المجتمع المصري بالعدد الكبير للأصوات التي حصدها «الإخوان» في الانتخابات، فـ«الإخوان» أيضا فاجأهم عدد الأصوات التي حصدها السلفيون، وعليه فلن تكون حال «الإخوان» في مصر عند تطبيقهم لبرنامجهم الانتخابي كحال الحزب الأردوغاني في تركيا الذي لم يواجه في الانتخابات التركية من السلفيين الأتراك أي منافسة تذكر. إن تجارب الدول بصمات قابلة للتقليد، لكنها بالتأكيد غير قابلة للاستنساخ.

[email protected]