حوار المشير مع نفسه

TT

لو حدَّث المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، القائم بمسؤوليات الرئاسة منذ 11 فبراير (شباط) من العام الحالي، نفسه بصوت عالٍ اليوم، ماذا سيقول؟

هذه محاولة افتراضية لتخيل هموم المشير طنطاوي: «حرام، والله حرام، بعد كل الذي فعلناه يتهموننا باتهامات ظالمة!». «تسلمنا السلطة في ظروف بالغة السوء، وادعوا علينا أن الجيش في مصر قام بانقلاب صامت ضد قائده الأعلى». «هذا غير صحيح، جيش مصر يعرف أكثر من غيره الولاء للبلاد والقائد، إنه جيش الانضباط الصارم، والالتزام الكامل». «تاريخ هذا الجيش هو تاريخ الشرف والفروسية».

«كنا على مفترق طرق حاد، البلاد قبل يناير (كانون الثاني) تتجه نحو الهاوية، حالة عدم الرضا السياسي تزداد بعد الانتخابات البرلمانية التي زُورت بعنف». «البلد تحول إلى (عزبة) خاصة مطروحة للبيع بأرخص الأثمان لرموز وأصدقاء وأعوان وسماسرة السلطة». «الجيش كان في صراع، هل تلك هي الشرعية التي أقسمنا على حمايتها، شرعية تزوير إرادة الشعب، وتحويل مصر كلها إلى شقة مفروشة مطروحة للبيع؟».

«جاءت ثورة يناير، ثم انهيار الشرطة، ليضعا مسؤولية ضمان سلامة الوطن في أيدينا. تلك مسؤولية لم نسعَ إليها، وتلك سلطة لم نتآمر للانقضاض عليها». «أبلغنا الرئيس مبارك، بوصفه القائد الأعلى للبلاد، أننا لن نطلق رصاصة واحدة على المتظاهرين». «ما حدث في يناير لم يكن حركة احتجاج فئة مارقة أو كان مؤامرة ضد البلاد، لكن كان ثورة شعبية شارك فيها أكثر من 10 ملايين مواطن ومواطنة من كل الطبقات والتيارات والأطياف بطول البلاد وعرضها».

«عاملنا قائدنا في ساعات حكمه الأخيرة بكل سلوك الفرسان. وكانت أمامه الفرصة الكاملة لمغادرة البلاد هو وأسرته، لكنه بعناد وبإصرار رفض الرحيل». «يلومنا الأشقاء العرب على أننا وضعناه خلف القضبان دون أن يعرفوا أن المطالبة بمحاكمته تحولت إلى مليونيات ضاغطة علينا كادت تحول البلاد إلى فوضى كاملة».

«عقب حديثه في محطة تلفزيون (العربية) أصبحنا أمام إما أن نتعجل المحاكمة وإما أن نفقد المصداقية في الشارع».

«حاولنا الحفاظ على الأمن والاقتصاد وتحقيق مطالب وطموحات الناس قدر جهدنا». «لكن هل يمكن أن تحقق في عام واحد ما ظل يشكو منه الناس منذ 60 عاما؟!». «لا نريد أن نبقى في السلطة، ولا أريد أنا شخصيا أن يذكرني التاريخ أنني عشت في آخر تاريخي العسكري أدافع عن أي مطلب شخصي». «حلمي الوحيد أن نسلم السلطة إلى سلطة مدنية منتخبة يطمئن لها الشعب ونثق بأنها ستحافظ على الأمانة».

«أشعر بمرارة شديدة من قسوة التجني والاتهامات المرسلة لي، وللمجلس، ولجيش مصر العظيم». «لقد تحملنا جميعا ما لا يطيقه بشر، وحاولنا أن نحقق أكبر قدر من ضبط النفس لمؤسسة عسكرية تولت مسؤوليات دولة في حالة غليان وفوران، وتم ذلك بأقل فاتورة ممكنة». «لست حريصا على منصب أو سلطة، أريد فقط أن أسلم الأمانة وأستريح».

انتهى هذا الحوار مع النفس.. وهو حوار من نسج خيال كاتب هذا المقال.