الإسلاميون العرب أمام امتحان الحكم

TT

كثيرة كانت الأخطاء التي ارتكبها الحكام الذين أطاح بهم الربيع العربي، إلا أنهم كانوا على حق في مسألة واحدة وهي التحذير من أن من سيحل محلهم، في حال سقوطهم، هم الإسلاميون. فلقد جاءت الانتخابات الأولى بعد الثورات في مصر وتونس (والمغرب) تؤكد هذه المقولة. وكل شيء يدل على أن الانتخابات القادمة في البلدان العربية سوف تكرس صعود الإسلاميين، إن لم نقل: وصولهم إلى الحكم في أكثر من عاصمة عربية.

لم تفاجأ الدول الكبرى كثيرا بنتائج هذه الانتخابات بل كانت تنتظرها. وأعلن أكثر من مسؤول غربي أن لا مانع لديهم من التعامل مع الإسلاميين كممثلين شرعيين منتخبين، لا سيما إذا اختاروا الديمقراطية منهجا والحوار أسلوبا في العلاقات الدولية. والإسلاميون العرب – كما يصرح قادتهم - لن يستأثروا بالحكم، بل سيشاركون مع غيرهم من القوى السياسية فيه، وإنهم لن يسيروا على خطى الطالبان وملالي طهران، في إقامة حكم ثيوقراطي (ولاية الفقيه)، أو فرض الشريعة فرضا حرفيا على كل مظاهر الحياة العامة والخاصة، بل سيحاولون الاقتراب في نهجهم السياسي من إسلاميي تركيا، ولكن هل تكفي هذه التصريحات والنيات الحسنة لكي تتحول الدول العربية إلى ديمقراطيات ليبرالية منفتحة على العالم والعولمة وراعية للحريات ولحقوق الإنسان (رجالا ونساء) ومتطلعة إلى المستقبل أكثر من تطلعها إلى الماضي؟ وعاملة على تنمية المجتمعات العربية اقتصاديا وثقافيا وحضاريا، واللحاق بحضارة القرن الحادي والعشرين؟

الشعارات التي رفعتها الشعوب العربية الغاضبة والثائرة لم تكن شعارات دينية أو قومية أو عقائدية بل شعارات بشر يطالبون بالحرية والعمل والعدالة، ومحك علاقة هذه الشعوب بمن سيحكمها غدا، سواء أكانوا إسلاميين أم علمانيين أم ديمقراطيين، هي قدرة هؤلاء على توفير الأمن والحرية والعمل والعيش الكريم للمواطنين. وليس شيئا آخر، وإن ذلك يتطلب طاقات وإمكانات بشرية واقتصادية وثقافية وتقنية، ليست كلها متوفرة في المجتمعات العربية اليوم. وربما لن تتوفر في السنوات العشر المقبلة. ولا نجاح واستمرار لأي حكم جديد، سواء أكان إسلاميا عنوانه أم ديمقراطيا، إلا إذا حقق للشعب مطالبه الحياتية والمعيشية الحقيقية، أي العدالة والحرية والإنماء، ولم يقتصر على إلهائه بالشعارات الكبيرة البراقة التي شغل بعض الحكام العرب بها شعوبهم، كي يصرفوها عن محاسبتهم وتقصيرهم واستبدادهم، ولكن هل إسقاط هذه الشعارات والقضايا المتعلقة بها سهل أو حتى ممكن؟ وعلى الأخص القضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي المتمادي، وسكوت الدول الكبرى عنه، والحرب المعلنة بين إيران والدول الغربية، والحروب السرية المذهبية بين السنة والشيعة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى؟ هل يمكن لأي حكم عربي أو إسلامي أن يدير ظهره لكل هذه التحديات المصيرية الإقليمية والدولية، أو أن ينسحب منها، بحجة أولوية البناء الداخلي والإنماء الاجتماعي والحرص على السلام؟!

امتحان كبير ينتظر الإسلاميين إذا وصلوا إلى الحكم، ولعلهم يدركون ذلك ويتحاشون - في ما يعلنون - الوقوع في ما وقع فيه إسلاميو إيران أو أفغانستان، أي فرض برامجهم بالقوة بعد تصفية كل من سيخالفهم أو يعارضهم. كما يدركون قلق الدول الكبرى الغربية (ولا سيما الأوروبية حيث يقيم ملايين المسلمين) جراء احتمال امتداد التيارات السلفية إليهم؟ كما يدركون تربص الإسلاميين الإيرانيين الشيعة بهم، واستعداد إسرائيل لضربهم كما ضربت التيارات القومية العربية التي هددتها قبلهم. ولن يكون من السهل عليهم السباحة بين التيارات الإقليمية والدولية الصاخبة وأمواج يقظة الشعوب العربية المصممة على تحقيق مطالبها وأمانيها.

إن الصورة النهائية للحكم في الدول العربية التي أطاح أو سيطيح الربيع العربي بأنظمتها، لن ترتسم قبل عدة سنوات. ولسوف تشهد هذه السنوات أزمات داخلية وخارجية تدفع بالحكام الجدد في اتجاهات لم ينتظروها، أو تنحرف بالثورات عن مجراها وأهدافها. ولا سبيل إلى تصحيح مساراتها والاقتراب من تحقيق أهدافها سوى القواعد والإطارات الديمقراطية، أي صناديق الاقتراع واحترام الحريات العامة والخاصة.

وهذا هو الحل. وليس أي شعار آخر.