وقفة فقهية.. ربا ومال!

TT

أتابع باهتمام السجال الفقهي والفكري الذي أثاره الكاتب السعودي (منذ فترة ليست بالقصيرة) حمزة السالم بخصوص مسألة استحقاق الربا ووجوده اليوم في الأموال الورقية النقدية.

وقد بيّن حمزة السالم حجته مرارا وتكرارا عبر سلسلة غير قصيرة من المقالات التي كتبها في صحيفة «الجزيرة»، وقبلها في «الاقتصادية»، وأخيرا ولنفس الموضوع كان ضيفا على تركي الدخيل في برنامجه «إضاءات» بمحطة «العربية» الفضائية وانفتح سجال كبير بين المعترضين والمؤيدين على ما قاله حمزة السالم. فمنهم من رآه على حجة وبينة، وآخرون زندقوه وشككوا في رجاحة فكره، وطبعا في صفاء ونقاء عقيدته.

عدت بالذاكرة وأنا أقرأ ردود الأفعال المتنوعة ما بين الهادئ والرزين وما بين الموتور والخارج عن حدود اللياقة والأدب المقبول، عدت بالذاكرة لسنوات مضت تذكرت فيها مقالا «مختلفا» لكاتب لم أكن قد سمعت عنه من قبل ولفت نظري وقتها أسلوبه وجرأته وحجته العلمية، وهاتفته طالبا منه التفضل بالحضور كضيف في برنامجي الاقتصادي التلفزيوني اليومي «التقرير مع حسين شبكشي» والذي كان يعرض على محطة «العربية» الفضائية، وكانت إطلالته الأولى معي وبمشاركة رجل الدين المعروف عبد المحسن العبيكان، وقدم فيها حمزة السالم طرحه المثير للجدل، وهو أن الربا لا يسري إلا في الذهب والفضة بحسب مذاهب الحنابلة والشافعية والمالكية وحتى بعض طلبة الأحناف، وتبنى هذا الرأي أيضا الشيخ السعدي المعروف بفقهه السلفي التقليدي.

وطالما أن الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون أزال غطاء الذهب من على الدولار، وهو المعيار النقدي العالمي المعتمد، فبالتالي كل عملات العالم لا يوجد لديها غطاء ذهب، وبالتالي لا يسري فيها الربا، وحال الربا وقتها بحسب حمزة السالم يكون مثل حال الرق.. كان موجودا حتى انتهى، وبالتالي أحكامه الشرعية تسري فقط إذا استحقت الحالة (أي في الذهب وفي الفضة).. هذه هي فكرة حمزة السالم باختصار شديد.

وحمزة السالم درس الشريعة وكذلك درس الإدارة المالية في معهد ماساتشوستس للتقنية، تلك الجامعة ذائعة الصيت، وهو مر بمراحل من التشرد الفكري الديني في فترة من عمره حتى اطلع على مصادر أخرى ومعارف أخرى وآراء أخرى ليصل إلى ما وصل إليه.

وكانت للحلقة ردود وأفكار عنيفة جدا نالني منها نصيب عنيف من السباب والإهانة والشتائم والدعاء عليّ، «كالعادة» مع كل مخالف، واتهمت بأني كنت معاونا لحمزة السالم بأنني لم أحضر «متخصصا ماليا دينيا» أمامه، وبالتالي كانت حجته قوية. ودعوته مجددا لحلقة أخرى لاستكمال النقاش وكان ضيف الحلقة الأخرى هو رجل دين عرف عنه تخصصه بالشأن المالي وعضو في العديد من اللجان الشرعية التي تعمل مع العديد من البنوك في السعودية، وهو يوسف الشبيلي، وأثارت الحلقة هي الأخرى سجالا ولغطا بلا نهاية وكان السجال في الحلقة بين الرجلين أكثر حدة من الحلقة الأولى بكثير وحصلت العديد من «الفصول» والتعليقات مع الشخصيات الثلاثة في كواليس الحلقتين وتعليقات ما يطلق عليه «تحت الهواء».

حمزة السالم لم يأت بجديد والآراء التي قدمها اليوم موجودة منذ القدم، وعلى الناس مناقشته، وحبذا لو كان ذلك بحسن ظن واحترام وأدب لأن الرجل يحاور بالحجة ومحاجته مطلوبة جدا خاصة في ظل ما سيتم مواجهته مستقبلا وقريبا جدا مع تحديات فقهية ليست بالبسيطة أبدا، إذ إن شركة «غوغل» العملاقة طرحت اليوم ما يعرف بمحفظة «غوغل» والتي عاجلا أو آجلا ستكون بديلا لبطاقات الاعتماد والأوراق النقدية كجهاز مرتبط مباشرة مع حساب حامل الهاتف الذكي المصرفي ويتم خصم كل معاملة مباشرة، فهل تسري الزكاة في محفظة «غوغل» وقتها أم لا؟ وهل هذا الحراك الفعلي نظريا والاقتراض عمليا يعتبر «بيعا» في ظل عدم تبادل النقد الظاهر أو بديل له؟

إنها أسئلة تعصف بالأذهان للتحديات القادمة، ولكن حتما لا يتم مناقشتها بالإقلال من شأن الآخرين وإساءة الأدب بحقهم والتشكيك في إيمانهم، هذا عهد قد ولّى ولم يعد من المقبول ممارسة هذا الإرهاب الفكري مجددا.

[email protected]