كيف أسهم الليبراليون في صعود الإسلاميين؟

TT

للشاعر الفحل جرير، المحسوب (تجوزا) على التيار الليبرالي، حادثة معبرة مع الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز حين تولى الخلافة، تذكرنا بصعود الإسلاميين الصاروخي بعد ثورات الربيع العربي، فجرير اعتاد على تغشي أبواب الخلفاء والسلاطين يسترزق من قصائده فتفتح له الأبواب ويدنى له بالمجلس، فلما تولى الورع التقي عمر بن عبد العزيز قصده جرير فلم يؤذن له، فلحظ جرير رجلا معمما، محسوبا (تجوزا) على التيار الإسلامي، يفسح له الطريق للقاء الخليفة عمر، فقال جرير:

يا أيها الرجل المرخي عمامته

هذا زمانك إني قد مضى زمني

الامتنان لمصدر القصة الزميل مشاري الذايدي الذي ليست له عمامة يرخيها!!

ها هو زمن (عمائم) الإسلاميين يتصدر المشهد الانتخابي في كل من تونس ومصر والمغرب، وقبلها تركيا وفلسطين والجزائر، والأخيرتان لم تدركا الربيع العربي فأجهضتا بمباركة عربية غربية، وأما ليبيا فمحسومة سلفا، وليس هذا رجما بالغيب، ولهذا كان من الغباء المستحكم تشكيك البعض في صدقية تمثيل الصناديق الانتخابية لشعبية الإسلاميين، لأنها لو زورت في دولة فيستحيل أن تكون كل نتائج الدول المذكورة آنفا مزورة.

والخطأ الآخر حين عزا بعض المثقفين هذه الانتصارات الكبيرة إلى سيطرة الإسلاميين على المساجد واتخاذها مقرات غير رسمية لحملاتهم الانتخابية وتشويه خصومهم الليبراليين، لأننا لو سلمنا جدلا بصحة هذه الفرضية فالتشويه المتعمد والممنهج ضد الإسلاميين في الفضائيات والصحف التي تسيطر عليها الديكتاتوريات الحاكمة التي تهاوت ونخبها الليبرالية من القوة والانتشار بما لا يقارن بعدد المصلين المحدود، هذا ناهيك عن الأفلام والمسلسلات والتمثيليات والمسرحيات التي دكت الإسلاميين بأوصاف التطرف والإرهاب والتخلف، ولم تترك سبيلا أو فجا لتشويههم إلا ولجته، ومع ذلك دانت لهم صناديق الاقتراع، وأثبتت نتائج الانتخابات النزيهة الضعف الشديد لجذور النخب الليبرالية في عمق الجماهير العربية.

ومن المهم الإشارة هنا إلى أن ديكتاتورية الحكام الليبراليين الذين سقطوا ومعهم جوقتهم الليبرالية المثقفة كانت أحد أسباب الصعود الصاروخي للإسلاميين، فقطع الأعناق وقطع الأرزاق والمعتقلات والنفي والطرد والتضييق والفصل التعسفي وتزوير الانتخابات وعدم الاعتراف بهم وبأحزابهم وبمؤسساتهم الخيرية وبامتدادهم الشعبي المتجذر، كل ذلك جعل الإسلاميين أمام الجماهير العربية الضحية المغلوب على أمرها، وقابله فساد هذه الزعامات الديكتاتورية ودمويتها ونهبها للمال العام، فتشبثت الجماهير بالبديل الإسلامي الذي في أقل أحواله يستجيب لتطلعاتها المحافظة التي أنهكتها هذه الديكتاتوريات.

وأما اختطاف الإسلاميين للثورات فحكاية غير مقنعة، صحيح أن الإسلاميين لم يفجروا الثورات وإنما انضموا إليها مثل بقية شرائح المجتمع الأخرى، لكن ثورات الميادين بلا رأس، فمن هم هؤلاء الذين خطفت منهم الثورة؟ لا أحد يملك جوابا شافيا. ولو صدق الإسلاميون حكاية الخطف هذه وتغشاهم «ورع بارد» وقرروا أن يعيدوا هذه الثورة المخطوفة، فلمن يعيدونها؟ أيضا لا أحد يملك جوابا كافيا. جماهيرية ثورات الميادين تختلف عن جماهيرية صناديق الانتخاب، لأن ثورات الميادين تطالب بالتغيير، وصناديق الاقتراع تنتخب لتنفيذ هذا التغيير، وفرق بين المطالبة بالتغيير وانتخاب من ينفذه، كما أن ثورات الميادين على ضخامتها الجماهيرية فإنها دون جماهيرية صناديق الاقتراع في الكم والكيف.

[email protected]