ما العمل الآن في الاتحاد الأوروبي؟

TT

ثمة ميزة كبيرة في كتابة المقالات الأسبوعية، وهي وجود متسع من الوقت، على عكس الكثير من المقالات اليومية، للتفكير في الأحداث. ومن بين القرارات الهامة التي اتخذت الأسبوع الماضي، ولكن لم يتم التركيز عليها إعلاميا بالصورة الكافية، هو استمرار الاتحاد الأوروبي في التوسع، حيث ستكون كرواتيا هي العضو رقم 28 في الاتحاد الأوروبي، ومن المرجح أن تنضم رسميا إلى الاتحاد في عام 2013. ولن أكون صادقا إذا قلت إن تركيا سوف تنضم إلى الاتحاد قريبا.

والسؤال الآن هو: هل كانت بريطانيا على حق عندما قررت رفض الانضمام إلى الدول الأخرى في تأييد التغييرات المقترحة على القانون الأساسي للاتحاد الأوروبي؟ هل كانت النتيجة هي 26 دولة مع القرار ودولة واحدة فقط ضده؟ في الحقيقة، هذه أسئلة يصعب الإجابة عليها.

ومن جهتها وصفت صحيفة «الغارديان» البريطانية قرار المملكة المتحدة بالانسحاب من التعديلات المقترحة على المعاهدات بـ«العزلة»، كما لو كان من السيئ أن تقوم بالتوقف عن الهرولة مع من يتسابقون نحو حافة الهاوية.

وتعد بريطانيا، منذ آلاف السنين، دولة تجارية عالمية، كما تعد لندن المركز المالي الرئيسي في أوروبا منذ فترة طويلة. ويعود السبب في ذلك إلى نجاحها في تهيئة الظروف التي مكنتها من الوصول إلى هذه المكانة. ولو كان أي مركز أوروبي آخر يتمتع بهذه السمات، لبرز كمركز مالي كبير منذ وقت طويل، ولكن هذا لم يحدث.

وأنا أتفق مع جونيتشي يوجي، رئيس مجلس إدارة مصرف نومورا، عندما أشار خلال الأسبوع الحالي إلى أن مركز لندن كعاصمة مالية لأوروبا هو مركز آمن تماما. ويرى يوجي أنه ليس من الصعب إنشاء البنية التحتية المادية، مثل الاتصالات، ولكن الأمر سيتطلب قدرا كبيرا من الطاقة لبناء البنية التحتية غير المادية لمركز مالي عالمي مثل المحاسبين الجيدين والمحامين الأكفاء للشركات، وسوق تأمين متطورة ومستشفيات ومدارس، وحتى مسارح.

إنني أتعاطف مع أولئك الذين أشاروا مؤخرا إلى أن الخطة الفرنسية الألمانية لفرض ضريبة على المعاملات المالية في مختلف أنحاء أوروبا تشبه توجيه «الصواريخ الموجهة حراريا» إلى مدينة لندن. ولن تفعل هذه الخطوة شيئا يذكر لمساعدة منطقة اليورو على الخروج من أزمتها، ولكنها سوف تضر أوروبا برمتها. وتعد لندن أكبر مركز مالي في أوروبا بفرق كبير عن أقرب المدن التي تليها، كما تمثل أهمية عظمى بالنسبة لمعظم البلدان الأوروبية، تعد لندن في واقع الأمر بمثابة المصرفي الفعلي لأوروبا. إن إلحاق الضرر بلندن لن يصب في مصلحة أي شخص.

وبالعودة إلى الوراء يتضح أن لندن تعد مركزا دوليا للقيام بالأعمال التجارية، ومن الغريب أن القهوة قد لعبت دورا هاما في تطور المدينة. وتعود شعبية القهوة في بريطانيا إلى رجل يدعى باسكوا روسي، الذي كان قد ولد في مدينة صقلية وكان يتمتع بخلفية يونانية، وكان يعمل كخادم لتاجر بريطاني يعيش في تركيا يدعى دانيال إدواردز. وعندما انتقل إلى بريطانيا مع سيده إدواردز كان روسي يقوم بتقديم القهوة لضيوف إدواردز. وبعد ذلك فتح روسي أول محل قهوة في لندن في عام 1652. وكان تناول القهوة في بريطانيا بمثابة مناسبة اجتماعية، حيث كان الناس يذهبون إلى المقاهي للقاء بعضهم بعضا والحديث معا وقراءة أحدث المجلات والصحف - التي كانت بمثابة فكرة جديدة للغاية في ستينات القرن السابع عشر - وتبادل المعلومات التي تتصل بأعمالهم، وهذا يشبه إلى حد كبير المقاهي الموجودة في بعض دول الشرق الأوسط في العصر الحالي.

وفي القرن السابع عشر كانت لندن تحظى بأهمية كبيرة كمركز عالمي للتجارة، وهو ما أدى إلى زيادة الطلب على التأمين على السفن والبضائع. وقد أصبح مقهى إدوارد لويدز هو مكان الحصول على شهادات التأمين البحري، وهذا هو المكان الذي بدأت منه سوق لويدز للتأمين التي نعرفها اليوم. ومنذ تلك البدايات في المقهى في عام 1688 أصبح لويدز مكانا رائدا في مجال التأمين، ونما على مدار أكثر من 300 عام ليصبح أكثر أسواق التأمين عراقة في العالم.

ويشير أحدث مؤشر للويدز، استنادا إلى مسح أجرته وحدة الاستخبارات الاقتصادية لـ500 شركة أعمال رائدة، إلى أنه في الوقت الذي تتعامل فيه الحكومات الغربية مع أزمة الديون السيادية التي لم يسبق لها مثيل، فإن أجزاء أخرى من العالم مهتمة بالتعامل مع قضايا أخرى مختلفة، فنجد أن اقتصادات آسيا المزدهرة، على سبيل المثال، معنية أكثر بحل مشكلة نقص المواهب والمهارات. يذكر أن ما يقرب من 75 في المائة من الشركات في منطقة آسيا والمحيط الهادي تشعر بالقلق من أزمة نقص المواهب، مقارنة بأقل من النصف في أوروبا وأميركا الشمالية.

ونعود الآن إلى قضيتنا الأساسية: لن يؤدي أي شيء مما تمخضت عنه قمة الأسبوع الماضي إلى تحقيق الاستقرار الذي نحتاج إليه بصورة ملحّة، على الرغم من أن ذلك قد يؤدي إلى تفادي وقوع أزمات في المستقبل. وقد تم تجاهل قواعد ماستريخت، ولذا فإنني أشعر بالقلق حول ما إذا كان سيتم الالتزام بـ«الاتفاق الضريبي» الجديد أم لا.

وثمة قضية أخرى تتعلق بالمفوضية الأوروبية. ويبدو أن معظم الحكومات سعيدة بتلك القضية، ولكن معظم الناس الذين يختارون حكوماتهم ليسوا كذلك. وتكمن تلك القضية في غياب الديمقراطية في أعمال المفوضية الأوروبية، حيث إن المفوضين هم أساسا أشخاص لا يملكون أي خبرة في العمل، ويبدو أنهم غير قادرين على فهم واقع التجارة العالمية والتمويل، وقد كشفت الأسابيع الأخيرة عن مدى إخفاقهم، وموقفهم الشعبوي وغير العملي، في ما يتعلق بقضية الإصلاح المصرفي. في الواقع، يتعين على الحكومات أيضا أن تتوخى الحذر.

إن ما ينتظر منطقة اليورو في المستقبل لا يزال غير واضح، في الوقت الذي تبدي فيه الكثير من البلدان الآن تحفظاتها بشأن التفاصيل المجهولة التي سيتم التوصل إليها في أعقاب القمة التي عقدت الأسبوع الماضي. وحتى تستقر منطقة اليورو، قد يتعين على ألمانيا ضمان معظم أو جميع الديون السيادية في منطقة اليورو، لوضع حد للعدوى التي تنتقل من البلدان الضعيفة إلى المصارف الضعيفة، ولكن هذا لن يحدث إلا إذا كان هناك وزير مالية قوي لمنطقة اليورو برمتها، لطمأنة ألمانيا والشعب الألماني. ولكن كيف سيحدث هذا في ظل عدم الخضوع لسلطة مركزية (والتي ستراها الكثير من الدول على أنها بمثابة توكيل لألمانيا) من الضوابط الوطنية على الإنفاق والضرائب والاقتراض، بصورة أكبر مما هو موجود حاليا على جدول الأعمال في منطقة اليورو؟ هل دولة مثل فرنسا على سبيل المثال على استعداد لتقديم تضحيات أكبر في ما يتعلق بسلطات حكومتها على وضع الميزانية بشكل أكبر مما هو موجود حاليا؟

وعلى الرغم من بعض التعليقات السخيفة من قبل عدد قليل من السياسيين في أوروبا خلال الأسبوع الحالي، لا تزال المملكة المتحدة تشارك بشكل كامل في ما يحدث، وقد أكد رئيس الوزراء البريطاني على أنه يريد نجاح الاتفاق المالي الجديد، وأن يجد الطريق الصحيح للمضي قدما، حتى تقوم مؤسسات الاتحاد الأوروبي بأداء دورها كحارس على معاهدة الاتحاد الأوروبي بشأن قضايا مثل السوق الموحدة. وعلى الرغم من قيام المملكة المتحدة بمعارضة التغييرات المقترحة على اتفاق الاتحاد الأوروبي لتكريس الضوابط المالية في منطقة اليورو، فإنه قد تم دعوتها للمشاركة في المحادثات حول الاتفاق مع الـ26 دولة الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ولم تكن القضية، في حقيقة الأمر، هي وجود 26 دولة ضد دولة واحدة.

* بروفسور زائر في جامعة لندن متروبوليتان للأعمال ورئيس مجلس إدارة مجموعة «ألترا كابيتال»