نحن أهل «الفاكس»

TT

في الشهر الحادي عشر من العام الحادي عشر أرسل الأميركيون الكشاف الآلي التاسع والثلاثين إلى المريخ، مارس، إله الحرب عند الرومان. هل هذه فرجة، سينما، أم علم؟ أنا ما زال يبهرني كيف يمكن تعبئة وقود يكفي للقيام بالرحلة إلى الكوكب الأحمر.

العلوم سحر يتحول إلى رتابة يومية في حياتنا من دون أن ندري. تبدأ المسألة «اختراعا» لا يصدق، ثم يتحول الاختراع الخيالي إلى قطعة أثاث منسية. كم مضى من الوقت قبل أن يصدق الناس فكرة الراديو والهاتف والتلفزيون؟ والذين اقتنعوا بآلة التسجيل، هل كان يمكن إقناعهم بفكرة السي دي؟

هناك عقول مركبة على التفكير في العلم. كان هناك أدب يسمى «الخيال العلمي»، أصبح الآن دون ما بلغه العلم، لدرجة السخرية. وهناك عقول كانت كلما حدثت أمامها قفزة علمية راحت تفكر في الخطوة التالية.

أقرأ منبهرا في مجلة «الجامعة» (1906- 1908) ما يلي: «وقد يصبح مألوفا عندنا أن نكتب في نيويورك فيرتسم خطنا في لندن، أو نأخذ صورة صديقنا هنا حين ترسم هناك». هل كان يقصد «الفاكس»، الذي أصبح الآن على وشك الإحالة إلى المتاحف، لا يستخدمه إلا المتخلفون أمثالي، في عصر البريد الإلكتروني؟

في المقال نفسه تقول «الجامعة» إنه سوف يأتي يوم تعد فيه الصحف في مكان وتصدر في مكان آخر. لقد فتح عصر اللاسلكي باباً لا حدود له. وكانت الناس تحلم يومها بنقل الصورة الفوتوغرافية بالراديو. وقد عشنا هذه «الأعجوبة» في الستينات، إذ كانت هناك ماكينة خاصة في الجريدة لنقل صور الأحداث بالراديو، وغالبا ما كانت تصل مشوشة وغير واضحة، لكن الصحف تستخدمها باعتبارها آخر مستجدات العلوم والاختراعات.

الآن يمكن في لحظات نقل عشرات الصفحات بالألوان. ولم تعد أحداث العالم تنقل إلا «مباشرة». وما عدا ذلك فهو «قديم» ولا مكان له في هذه المنافسة التي يصعب اللحاق بها. وقد أصبحت الرحلات إلى المريخ أمرا عاديا، أو مألوفا. والإنسان يصر على معرفة ما إذا كانت الحياة ممكنة هناك، كأنما هو على قناعة بأن الكوكب الأزرق لن يتسع لأهله ذات يوم. مع العلم أنه كوكب صغير، لا يزيد على نصف حجم الأرض.

كان السوفيات أول من أرسلوا عربة إلى المريخ، عام 1960، كما كانوا أول من أرسلوا رجلا ثم امرأة إلى الفضاء، ثم تخلفوا زمنا خلف الأميركيين والغرب. لم تنقصهم العقول، بل المال. والمال الأميركي اجتذب العقول الكبرى من أنحاء العالم.