النذير العراقي

TT

ينسب إلى الرئيس اللبناني الراحل كميل شمعون (1952 - 1958) قوله إن كل حديث عن تقسيم المنطقة لا معنى له، إلا إذا بدأ التقسيم في العراق. لذلك أخافني أمس عنوان زاوية الزميل داود الشريان في «الحياة»: «العراق يبدأ مخاض التقسيم»، بنبرة حاسمة، ليست فيها حتى صيغة التساؤل.

ويعيدنا ذلك إلى أن أول مرة ظهرت فيها تسميات مذهبية في الصحف والإعلام، كانت عندما بدأ الحديث عن «شيعة العراق» و«سنة العراق». وقد انتظر الأكراد الفرصة السانحة منذ دخل العراق في صراع المذاهب والأرض، فاستقلوا في إقليمهم الذي تناوبت العهود على ضربه بالمدافع وقصفه بالطائرات. وتبدو كردستان اليوم الأكثر استقرار ونموا، فيما يغرق سائر العراق وينزلق في الفتنة والتفتت.

وأسوأ العلامات أن الحكومة «المركزية» هي التي تشيع مناخ التفتت، وهي التي لا تأتي بأي خطوة، مهما كانت صغيرة أو رمزية، لدعم مناخ الوحدة. ولا يبدو أن الأمر يعنيها في شيء، فالطبع، أو الطابع الإلغائي، في أنظمة الحكم العربية، هو الذي يوقظ المكونات ويحرضها ويشعرها بأنها تعيش في ظلم وفي خطر. وهذا المناخ المفزع والأليم ليس وقفا على العراق ولا على السودان قبل الانفصال، بل هو في دول عمرها نحو مائة عام، مثل لبنان، حيث تقوم الآن دعوة مضحكة من أجل أن يقترع كل مذهب نوابه، على طريقة «الانتخابات» القبلية في الكويت التي استنكرها الشيخ صباح الأحمد، وشجعها ذوو التيـــــارات والمصالح والدعوات الانقسامية.

كان الانقساميون في الماضي يمارسون هذا التخريب الإجرامي المعيب، في الخفاء وتحت غلافات عدة، أما اليوم فقد أصبح فجورا عاما ولغة متباهية. إلى أين يريد الانقساميون الذهاب؟ إذا كانوا يعتقدون أن مثل هذه الأفكار الهجينة قابلة للحياة في هذا العصر والزمان، فسوف يكونون أول المنتحبين فوق خرائبهم. صحيح أن الطغاة سخفوا فكرة الوحدة ونكلوا بفكرة الشراكة ومبدأ العدالة والمساواة، لكن هذا لا يرفع أبدا من رداءة الانقسام والتحارب والتحاقد والكره التي ينشرها حكام اليوم.

إن بديل الوحدات الوطنية واضح ومرئي للجميع، وهو الحروب التي لا نهاية لها، والدمار الذي لا قعر له. وقد ارتحنا لغياب الوحدويين الدجالين والمضحكين، لكن هذا لا يعني أن نفرح للانقساميين المفسدين والمدمرين.