المراقبون العرب ومهمتهم

TT

بدأت بعثة المراقبين العرب التابعة لجامعة الدول العربية مهمتها في سوريا الأسبوع الماضي، وزار رئيس وأعضاء البعثة أغلب المحافظات السورية، ولا سيما المحافظات الأكثر سخونة ومنها حمص وحماه وإدلب ودرعا إضافة إلى محافظة دمشق ومدينتها، وفي كل الحالات التقت البعثة مسؤولين سوريين، كما التقت مواطنين ونشطاء وحقوقيين لهم صلة بتطورات الأوضاع الميدانية وبينهم مشاركون بالمظاهرات أو ممن تأثروا بالحملات الأمنية/ العسكرية التي تواصلها السلطات منذ بداية الاحتجاجات، والتي استدعت بالأصل وصول هذه البعثة بناء على اتفاق بين الجامعة العربية والسلطات السورية، هدفه تطبيق المبادرة العربية لحل الأزمة في سوريا.

والسؤال الطبيعي الذي يرافق نشاط البعثة بعد أسبوع من بدء أعمالها في سوريا، يتصل بإمكانية نجاحها في مهمتها، وهو يستند إلى أمرين اثنين أولهما طبيعة اللجنة ومهمتها، والثاني طبيعة البيئة السياسية والأمنية التي تحيط بعمل البعثة، بحيث توفر لها سبل النجاح في مهمتها، أو أنها ستفضي بالبعثة إلى الفشل.

وإذا كانت البداية من موضوع البعثة، فيمكن القول، أن الأمر في هذا يتعلق بجانبين، الجانب الأول وهو الإطار السياسي الذي تشكلت بعثة المراقبين العرب في إطاره، وهو سعي الجامعة العربية إلى المساعدة في توفير فرصة للتعاون بين الجامعة العربية والسلطات السورية من أجل تنفيذ الاتفاق المبرم بين الجانبين لمعالجة الوضع في سوريا، وفي هذا الجانب فإن ثمة تباينات بين الطرفين، حيث يسعى كل منهما ليجعل تنفيذ الاتفاق، بل ونشاط لجنة المراقبين العرب أقرب إلى رؤيته ووجهة نظره في معالجة الأزمة. أما من الناحية الفنية، فإن نشاط هذه البعثة أمر غير مسبوق في عمل الجامعة العربية، وبالتالي فليس من تجارب ولا خبرات لدى الجامعة في هذا المجال، وقد أدى الاعتراض السوري على وجود مراقبين أجانب إلى تكريس غياب الخبرات والتجارب التي كان يمكن أن تساعد في إنجاح البعثة في أداء مهمتها.

أما في موضوع البيئة السياسية والأمنية التي تحيط بعمل البعثة، فإن تأكيد تنوع بل واختلاف هذه البيئة أمر مفروغ منه. ذلك أن الطرفين السوريين المعنيين، السلطة من جهة والحراك الشعبي من الجهة الأخرى مشغولان بتوفير البيئة السياسية والأمنية، التي من شأنها جعل البعثة تعاين وتقييم أجواء تدعم وجهة نظر كل طرف، حيث تجهد السلطة لتأكيد مقولتها بوجود عصابات مسلحة، تقتل الجيش والأمن والمواطنين، وأنها مسؤولة عن تدمير الممتلكات، وإشاعة أجواء الخوف والذعر، الأمر الذي يبرر ليس نشر الجيش والقوى الأمنية في المدن والقرى فقط، بل واستمرار وجودهما وقيامها بعمليات واسعة من شأنها أن تسبب وقوع ضحايا بعضهم من المدنيين، مما سيخفف من مسؤولية السلطات عما تمخضت عنه الأحداث من نتائج في الأشهر الماضية، وبالتالي يفترض دفع جهود الحل العربي للأزمة في سوريا باتجاه مختلف عما هو عليه حاليا وخاصة لجهة العقوبات واحتمالات تحويل الملف السوري إلى مجلس الأمن الدولي.

أما من جهة الحراك الشعبي، فإن الجهد منصب نحو تأكيد أن كل ما لحق بالسوريين من نتائج مدمرة في المستويين الإنساني والمادي، إنما هو ناتج عن تصدي السلطات للمظاهرات ولاحتجاجات السلمية من قبل السوريين ومطالبهم بالحرية والكرامة، الأمر الذي يدين سلوك السلطات السورية، ويؤدي إلى إجبارها على وقف الحل الأمني/ العسكري الذي تتابعه في معالجة الأزمة، والاستجابة إلى المطالبة بحل سياسي، تمثل المبادرة العربية واحدا من أمثلته عبر محتوياتها التي تتضمن سحب الجيش والقوى الأمنية والمظاهر المسلحة من المناطق السكنية، وإطلاق سراح المعتقلين ووقف إطلاق النار على المتظاهرين السلميين، مما سيوفر على السوريين مزيدا ما الضحايا والخسائر المادية ويجنبهم التدخلات العسكرية الخارجية.

التباين في الأهداف السياسية لكل من السلطة والحراك الشعبي إزاء نشاط بعثة المراقبين العرب ودورها، يضيف صعوبات أخرى على طريق إنجاز مهمتها، ولا شك أن تدخل السلطات في عمل البعثة بما تملكه من إمكانات إدارية وعسكرية، يجعل عمل البعثة أقرب إلى عمل أسير للسلطات، ولعل ذلك يفسر التذمر الذي أبداه الحراك الشعبي ومناصريه في سوريا والخارج من أداء البعثة وتصريحات رئيسها، لكن ذلك لا يمكن اعتباره المؤشر الأخير على أداء البعثة وعن خلاصات عملها، وكله لن يظهر إلا في نهاية عملها في تقرير يقدم إلى الجامعة العربية والتي تؤكد أوساطها، أن البعثة في تقييمها العام لن تكون إلا موضوعية ومهنية، وأنها من خلال ذلك ستخدم قضية الشعب السوري أولا وأخيرا، وإلى أن يحين الموعد لا بد من ملاحظة أمرين حققهما وجود بعثة المراقبين العرب في سوريا أولهما أنه أتاح لسوريين كثر من ضحايا الأزمة، أن يكشفوا معاناتهم مباشرة وبطريقة موثقة، والثاني أن وجود البعثة العربية، أعطى المتظاهرين والمحتجين دعما معنويا هائلا لتجديد الحراك الشعبي بنفس القدر من الخسائر اليومية، وكلاهما سيحسب في نتائج مهمة المراقبين العرب في سوريا!