هل هناك من يريد تصفية حساباته مع أردوغان؟

TT

تركيا وهي تودع العام الماضي وتستقبل السنة الجديدة حزينة متألمة مذهولة.

مدينة شرناق المجاورة للحدود العراقية، من أفقر المدن التركية وأبعدها في الخريطة، لكن شهرتها الحقيقية أخذتها من كثرة العمليات التي نفذها «العمال الكردستاني» ضد مواقع الجيش التركي هناك. المدينة فقدت في الأيام الأخيرة 35 شابا من أبناء عشائرها، سقطوا جميعا في غارة جوية نفذتها الطائرات الحربية وهي تعتقد أنها تستهدف مجموعات تابعة لحزب العمال.

طائرة من دون طيار تقدم المعلومات وطائرات أخرى محملة بالقنابل، تسقطها فوق رؤوس 35 شابا مدنيا، يقتلون على الفور وهم قاب قوسين أو أدنى من تفريغ حمولتهم التي نقلوها من شمال العراق إلى الداخل التركي.

الموجع أكثر بالنسبة للحكومة هو أن الهجوم استهدف شبان عشائر عرفوا دائما بوقوفهم إلى جانب الدولة والتحقوا بفصائل «حماة القرى» التي تدعم الجيش في مواجهته مع «العمال».

شبان مهنتهم هي العيش على التهريب بين جانبي الحدود التركية - العراقية، يعرفهم الجميع ويعرف طرقات تنقلاتهم وتحركاتهم وأسماءهم، ومع ذلك كان عليهم أن يدفعوا هذا الثمن الباهظ نتيجة خطأ يرتكب.

غارة تأتي في الوقت الذي تردد فيه حكومة «العدالة والتنمية» أنها تلحق يوميا المزيد من الخسائر في صفوف «العمال الكردستاني» الذي يعيش أصعب أيامه بسبب الضربات الموجعة التي يتلقاها، فجاءت هذه الحادثة لتساعده على التقاط بعض أنفاسه.

عملية ستساهم في تأجيج التوتر إذا لم يتم التعامل معها بشفافية وحذر. فكثر هم الذين يريدون تصفية حساباتهم مع أردوغان وحكومته في هذه الآونة، بينهم من هو في الداخل، وبينهم من هو في الخارج.

البعض يقول إن معلومات سربت عن قصد حول تحرك مجموعات لـ«العمال الكردستاني» باتجاه الأراضي التركية، فتلقت الأجهزة الأمنية الرسالة وتمسكت بها حتى تنفيذ هذا الهجوم. والبعض يتحدث عن خطة أعدها عملاء مزدوجو الهوية، يعملون بالتنسيق مع حزب العمال وأجهزة الدولة التركية في الوقت نفسه، أرادوا الإيقاع بين العشائر الكردية وأجهزة الدولة التي يقفون إلى جانبها في حربها مع «العمال» أولا، وإظهار فشل المؤسسات في خطة الحرب على الإرهاب التي تنفذها منذ سنوات ثانيا.

سيناريوهات أخرى ترسم حول أن تكون مؤامرة خارجية مدبرة، أرادها البعض انتقاما من أردوغان وحكومته لتصفية الحسابات معهم بسبب سياساتهم الإقليمية ومواقفهم حيال ثورات الربيع العربي، خصوصا أن أصوات في سوريا رددت أنها جاهزة للعب بهذه الورقة عند الضرورة. أسئلة أخرى تحتاج إلى إجابة حول وجود من أراد تسجيل هدف في مرمى المؤسسة العسكرية وتركها في مواجهة جديدة مع حكومة أردوغان.

حزب العمال قد يكون فشل مرة أخرى في استعجال أكراد تركيا بالانتفاض وتحويل ما يجري إلى تمرد وعصيان في مدن جنوب شرقي تركيا، فقلائل هم الذين قبلوا دعوات الحزب للانتفاض ومهاجمة بعض حافلات النقل وإغلاق متاجر ومهاجمة أخرى في بروفة الربيع الكردي الذي يريده بأسرع ما يكون. لكن حكومة «العدالة والتنمية» ملزمة بمراجعة تفاصيل ما جرى وتحديد المسؤوليات وأسباب الحادثة والكشف عن كافة ملابساتها.

أردوغان لم يأخذ بتحذيرات حزب السلم الديمقراطي، المحسوب على الأكراد في تركيا، بعدم الاقتراب من القرى المفجوعة، بل على العكس بعث بكبار مساعديه وعلى عجل إلى المنطقة لتقديم التعازي وإعلان أن الدولة وبكل مؤسساتها لن تتهرب من تحمل أية مسؤولية، ولم يتردد في إرسال قائمقام القضاء لزيارة ذوي الضحايا رغم تعرضه للضرب على أيدي من وصفهم بأشخاص أتوا من خارج المنطقة وأنه لن يتوقف كثيرا عند عملية الاعتداء هذه.

أردوغان قال إنه لم يكن من الممكن تحديد هوية الأشخاص بمثل هذه السهولة، والرئيس التركي غل قال إنها حادثة لم تكن مقصودة، لكنها في نهاية الأمر عملية انتقدتها الكثير من وسائل الإعلام بسبب التعتيم ورفض الكشف عنها إلا بعد ساعات طويلة على وقوعها. وما دخول أردوغان في سجال مع أحد الصحافيين، الذي كتب يقول إن جهاز المخابرات اعتمد معلومات قدمها أحد العملاء في حزب العمال، ليتم البناء على أساسها وتنفيذ هذه الغارة - سوى مؤشر على أن الحادثة ستتفاعل وتقود إلى نقاشات جديدة مطولة، والبلاد تستعد لتناقش دستورها الجديد، وبشقه الكردي طبعا.

ما جرى في أولودره يعكس أن الحكومة وقعت في ورطة، وأنها للخروج من ورطتها هذه تحتاج إلى قفزة كبيرة تحملها إلى الأمام دون تفجير أزمة أكبر مع قيادة الجيش أو أكراد تركيا أو القواعد الشعبية التي منحتها ثقتها للمرة الثالثة على التوالي لتسلم دفة الحكم في البلاد.