شد الحزام

TT

واجهت بريطانيا قبل أيام إضرابا عاما لموظفي القطاع العام احتجاجا على سياسة التقشف، ناشدت فيها الحكومة الشعب شد أحزمتهم والاقتصاد في كل شيء لمدى سنوات طويلة. أثارت إجراءاتها سخط الكثيرين. كان من ذلك القرار بتخفيض عدد حبوب الفياغرا المخصصة مجانا للمسنين من أربع حبات في الشهر إلى حبتين فقط. لا عجب أن يطلبوا منهم شد الحزام وجر السحاب. وهو موقف محرج بالنسبة لرئيس الحكومة. ما الذي أقوله للمجلس لو كنت في مكانه؟ هذا ما أقوله:

يا حضرات نواب الأمة. لقد تنعمنا وعشنا في ترف بفضل ما كنا نقوم به من اختطاف الأفريقيين وبيعهم عبيدا لأبناء عمنا الأميركان. بيد أن مؤتمر فيينا منع تجارة الرقيق عام 1815، وقطعوا علينا هذا الخط. عوضنا عن ذلك باستغلال ثروات أولئك الناس، بدلا من اختطافهم، جعلناهم يقومون لنا بالعمل الخطر في المناجم. وبفضل ذلك استأنفنا حياة الترف والإثراء. ولكن هذه الشعوب ثارت علينا ونالت استقلالها فانقطع علينا هذا الخط أيضا. عوضنا عن ذلك بتصدير منتجاتنا وبيعها لهم بأعلى الأسعار. ازددنا رخاء على رخاء. ولكن هؤلاء الناس سرعان ما تعلموا كيف يصنعون هذه المنتجات. لم يعودوا بحاجة لها، بل راحوا يصدرونها إلينا وأغرقوا أسواقنا بها فماتت صناعاتنا وانقطع هذا الخط علينا. أخذنا نركز على ما أتقناه من أبواب التكنولوجيا فواصلنا حياة الترف والفرفشة.

ولكن يا حضرات النواب، إن سلفنا في الحكم، سمحوا مع الأسف لتلامذتهم بالدراسة في جامعاتنا، فتعلموا فيها أسرار التكنولوجيا، فلم تعد شعوبهم في حاجة إلينا. هذه قصة محزنة يا حضرات النواب. اضطررنا في الأخير للاعتماد على تجارة السلاح ورحنا نحثهم وندفعهم لمحاربة بعضهم البعض والقيام بالثورات ثم محاربة الثوار ليشتروا ما يلزمهم من أسلحتنا. بيد أن ثوارهم تعلموا الآن أساليب غاندي في النضال السلمي. فانقطع هذا الخط أيضا علينا. أخيرا لم يبق لنا، يا حضرات النواب، غير أن نعتمد على شبيبتنا في تطوير النشاط الترفيهي وجذب السياح والأثرياء إلى نوادينا الليلية لينفقوا فيها كل ما ينهبونه ويهربونه من ثروات. بيد أن أنظمة الاتحاد الأوروبي فتحت مواخيرنا وكباريهاتنا ونوادينا للحسناوات من أوروبا الشرقية، فرحن ينافسن بناتنا بأبخس الأسعار. لا، بل راحت حتى نساء المستعمرات السابقة يتسللن إلى مدننا وينافسن نساءنا ببشرتهن البرونزية السمراء وأسعارهن المتهاودة. لم تعد العولمة تنفعنا بشيء. أقول ذلك بصراحة. تجارة الرقيق الأبيض أصبحت تجارة كاسدة يحتكرها الأجانب ولا تجني منها حكومة صاحبة الجلالة أي رسوم أو ضرائب.

لم يعد بالإمكان تفادي الأزمة الراهنة وإفلاس بنوكنا وغلق معاملنا. علينا يا حضرات النواب أن نواجه هذا الواقع المر. لقد ذهبت أيام الفرفشة إلى غير رجعة. لا بد من تقليص النفقات. وإذ أواجه أمامي عددا غفيرا من الشيبان، يؤسفني أن أقول إن من ضمن سياسة التقشف تخفيض عدد حبات الفياغرا المجانية من أربع حبات إلى حبتين فقط شهريا للمسنين، وآمل أن تتفهم السيدات الفاضلات هذا الإجراء ويتقبلنه بالصبر والسلوان.