«الرضا من آل محمد»

TT

تذكر كتب التاريخ أن قائد الدعوة العباسية السرية للثورة على الدولة الأموية، وهو محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، صاحب «الحميمة»، كان يشدد على مبعوثه السري إلى النقباء في العراق وخراسان على عدم ذكر اسمه الصريح في الدعوة إلا في الظروف الاستثنائية.

وحسب الروايات فقد قال الإمام العباسي لوزيره، أبي عكرمة السراج، عندما أرسله إلى خراسان: «فلتكن دعوتكم إلى الرضا من آل محمد، فإذا وقعت بالرجل في عقله وبصيرته فاشرح له أمركم، وليكن اسمي مستورا عن كل أحد، إلا عن رجل عدلك في نفسك، وتوثقت منه وأخذت بيعته».

وبالفعل، فقد نجح هذا التكتيك الذكي في جلب الأنصار للدعوة وحشد «جبهة» عريضة من أعداء الدولة الأموية، خصوصا من بني هاشم بشتى تفرعاتهم، وفي مقدمهم طبعا بنو علي، أو العلويون، فقد كان لا يساورهم شك في أنهم هم «الرضا من آل محمد»، وليس أبناء العباس. وتعمد أبناء العباسيين إبقاء هذا الغموض، حتى تحين اللحظة المناسبة، وقيل في تبرير استئثار أبناء «العم» بحق آل محمد، عوض أبناء فاطمة وعلي، إن حفيد علي بن أبي طالب نفسه، وهو أبو هاشم بن محمد بن الحنفية، هو الذي نقل الدعوة بعد دنو أجله وعدم وجود ذرية له إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، في قرية الحميمة ببلاد الشام.

بكل حال، ظلت الجبهة «الهاشمية» متماسكة، حتى نجحت في تقويض الدولة الأموية (750م)، والأسباب طبعا عديدة وكثيرة في هذا الحدث التاريخي الضخم والملهم إلى هذا اليوم. ولكن ما يهمنا منه الآن هو التوقف عند هذا الشعار الشهير «الرضا من آل محمد»، حيث كان الغموض هو المفيد والناجع هنا، ففي كلمة «الرضا من آل محمد» شحنة رومانسية ومفتوحة الاحتمالات، تخاطب مشاعر الغضب والحنين لدولة العدل والرعاية الإلهية، لكن في اللحظة التي وصل فيها العباسيون إلى الحكم، خصوصا مع الخليفة الثاني أبي جعفر المنصور، انقلب الحال، وعانى العلويون، أبناء العمومة الهاشمية، مرارات وعذابات على يد العباسيين، يهون عندها ما لاقوه من الأمويين الأبعدين. حتى قال شاعرهم:

يا ليت جور بني مروان دام لنا

وليت عدل بني العباس في النار!

وإذا تركنا حديث التاريخ لحديث الحاضر، فقارن بين شعار: «الرضا من آل محمد»، وشعار: «الإسلام هو الحل»!.. تجد الغموض البناء، والشعار الكبير الفضفاض والخطير، والمنبه للرومانسيات التاريخية، وهو الشعار الذي أصرت جماعات الإخوان المسلمين بشتى نسخها على التمسك به رغم النقد المتواصل لهم بغموض وانتهازية هذا الشعار.

الآن، وصل «الإخوان» إلى السلطة، فهل انتهى بريق الشعار، كما انتهى مع الجبهة العباسية العلوية؟ ومن هم العلويون الذين سيخرجون هذه المرة على عباسيي العصر، الذين ركبوا على الشعار الغامض للوصول إلى السلطة؟ هل هم السلفيون أم فريق آخر لم نره بعد يخرج من رحم «الإخوان»؟

لا ندري.. لكن مع جماعة تعتمد على الحنين التاريخي والهوية المغلقة، يستحسن تذكيرهم بطرف من حكايات التاريخ.

[email protected]