الأطباء.. وإخفاء حقائق مضاعفات العمليات الجراحية

TT

أثار الباحثون الطبيون من مستشفى راسل هول في بريطانيا موضوع المضاعفات التي تلي الخضوع لعمليات المعدة بغية إنقاص الوزن. وفي تقرير لهم صدر ضمن عدد 22 ديسمبر (كانون الأول) الماضي من مجلة «لانست» The Lancet الطبية أفادوا أن ثمة ارتفاعا في استخدام هذه الوسيلة الجراحية لتحقيق خفض ملموس في وزن الجسم، وهو ما يفرض بالتالي على الأطباء التنبه بدرجة عالية جدا للمضاعفات المحتمل حصولها على المدى الطويل، وليس فقط تلك المحتمل حصولها على المدى القصير.

جاءت هذه التنبيهات الطبية من باحثين طبيين متخصصين في معالجة أمراض الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية، أي بعبارة أخرى من باحثين طبيين في مجالات غير تلك المتعلقة بجراحة أو طب الجهاز الهضمي أو المعدة تحديدا، ما يعني أن المضاعفات تتجاوز نطاق الجهاز الهضمي، وهو الحقيقة. وعرضوا في تقريرهم جانبا لأمثلة واقعية من المضاعفات البعيدة المدى لعمليات وضع «طوق» band لتحزيم الأجزاء العليا في المعدة، بغية تصغير حجم الوعاء الذي يستوعب الطعام المأكول. ومعلوم أن «تحزيم المعدة بالطوق» أحد الطرق الكثيرة لإجراء «عمليات المعدة لإنقاص الوزن» bariatric surgery.

وفي 13 ديسمبر الماضي، أصدرت «إدارة الغذاء والدواء الأميركية» FDA بيانا تحت عنوان «إف دي إيه تستهدف ادعاءات عملية تحزيم المعدة بالطوق» (FDA Targets Gastric Band Weight - Loss Claims). وقالت في مقدمة البيان إن إدارة الغذاء والدواء الأميركية اطلعت على الكثير من الادعاءات الترويجية التي تُستخدم من قبل الجراحين الذين يقومون بإجراء عمليات تحزيم المعدة بالطوق، ومن أمثلتها القول إن العملية ساعدت في إنقاص الوزن بمقدار 90 رطلا، دون ذكر لبقية القصة والمعاناة. وأضافت ما نصه: «ولكن ثمة مخاطر مهمة لعمليات إنقاص الوزن، وقد أسهم الأطباء في ترويج مثل هذه الادعاءات، ولذا ستتخذ الإدارة إجراءات». واستطردت بالقول «سبق لإدارة الغذاء والدواء أن وجهت التحذيرات لثمانية مراكز طبية أميركية في ولاية كاليفورنيا حول الوسائل التسويقية المضللة misleading advertising، على حد وصف الإدارة، في الدعايات الترويجية لجذب الناس للخضوع لعمليات تحزيم المعدة بالطوق ابتغاء تقليل كمية الطعام المأكول وإنقاص الوزن بالتالي»، وطالبتهم في خلال فترة 15 يوما، بإفادة الإدارة بما فعلوا حيال تغيير هذا التصرف غير المقبول طبيا.

وقالت الإدارة ما نص ترجمته: «وهذه الدعايات تُلصق على لوحات الإعلانات، وحتى في حافلات نقل الركاب، وإعلانات الصحف ومواقع الإنترنت وغيرها، لتصوير رجل أو امرأة رشيقة القوام وهي تبتسم، لادعاء أنهم أنقصوا قدرا ضخما من وزن أجسامهم، ونجحوا بالتالي في السيطرة على حياتهم، بعد خضوعهم لمثل تلك النوعية من العمليات». وأضافت: «وإدارة الغذاء والدواء يقلقها أن الدعايات تلك تفتن الناس بسحر نتائج هذه العمليات دون توصيل أي معلومات مرافقة عن مخاطر ومضاعفات إجرائها».

وعلق الدكتور ستيفن سيلفرمان، مسؤول التعاون الصحي في إدارة الغذاء والدواء الأميركية لشؤون الأجهزة والأشعة، بالقول: «المستهلكون، أي الزبائن الذين يخضعون لهذه العمليات، الذين يتأثرون بالدعايات المضللة والزائفة، يجب أن يكونوا على دراية تامة بمخاطر ومضاعفات أي نوع من العمليات الجراحية». وأضاف: «وفق القوانين الفيدرالية، دعايات المنتجات الخاصة بالأجهزة الطبية، مثل الطوق الذي يُستخدم لتحزيم المعدة، يجب أن تشمل ذكر التحذيرات المرافقة والمعلومات المتعلقة بالاحتياطات والآثار الجانبية والتفاعلات العكسية وموانع الاستخدام، أي الأسباب والدواعي الطبية التي تجعل من استخدام هذه الوسيلة العلاجية أمرا غير مقبول طبيا».

واشتمل نص البيان على جوانب أخرى مهمة، لا يتسع العرض لطرحها، تتعلق بالضوابط التي تطلب الإدارة تطبيقها في انتقاء المرضى الذين يُصنفون بأن هذه النوعية من العمليات مناسبة لهم لعلاج السمنة. كما لا يتسع العرض لتلخيص نتائج إحدى الدراسات الطبية المهمة في جانب الحقائق الفعلية لمضاعفات عمليات المعدة للباحثين من جامعة مونتريال الكندية، والمنشورة ضمن عدد 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في مجلة «أرشيفات الجراحة الأميركية»

والواقع، ووفق ما تؤكده إدارة الغذاء والدواء الأميركية، فإن جانب انتشار دعايات وسائل الإعلام للادعاءات الطبية الزائفة والمضللة لعموم المرضى، واستخدامها بذكر جانب دون جوانب أخرى في الحقائق الطبية، هو من المواضيع عالية الأهمية في مجال الصحة العامة ومعالجة الأمراض وحماية المستهلك. والمشكلة منتشرة على النطاق العالمي وبحاجة إلى حلول تتضمن تحقيق ضبط الانفلات العالمي في تلك الدعايات الطبية المضللة، وحماية عموم الناس من الجشع التجاري لبعض المؤسسات الطبية.

استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]