الممارسة الانتخابية الكويتية منعت الربيع ولم تجلب التنمية

TT

تابع العرب الانتخابات التونسية بعد ربيعها، كما تابعوا الانتخابات المصرية، ويستعدون لمتابعة نفس الظاهرة في كل من اليمن، وربما ليبيا في القريب. الانتخابات الكويتية التي سوف تعقد في بداية الشهر المقبل روتينية بامتياز، لقد بدأت الحملات الانتخابية، ولكن عدا بعض التفاصيل الصغيرة، فهي تكاد تتكرر بنفس الطروحات، وتحمل نفس الشعارات و«تتوحم» على نفس المشكلات التي لم تحل منذ زمن، وربما يستطيع المراقب أن يستطرد بالقول إنها سوف تصطدم بنفس العقبات، مباشرة بعد إقفال صناديق الانتخاب. الترقب الممكن بأن يتشجع الناخب الكويتي ليقدم - مثل أخيه الناخب المصري والتونسي - جماعة بعينها إلى الصدارة لها نكهة التحالف الإسلامي - القبلي في حال من العدوى المحتملة. لعل القارئ يلاحظ أني ذكرت الانتخابات ولم أذكر الديمقراطية، فالأخيرة لها شروط مسبقة ليست على الأرض العربية بعد..!

منذ أن عرفت الكويت الانتخابات لمجالس تشريعية، أي منذ عام 1963 إلى اليوم، تم انتخاب 13 مجلسا والمقبل هو رقم 14. بحسبة بسيطة، نجد أن متوسط عمر المجلس نحو 3.5 من السنوات، أما في السنوات الخمس الماضية، فقد تمت الانتخابات أربع مرات (بما فيها المقبلة) أي أن عمر المجلس في المتوسط سنة وبضعة أشهر، في الوقت الذي يشمل الكويت دستور صدر عام 1962 أي أصبح «كهلا»، عمره خمسون عاما بالتمام والكمال. وحتى لا نذهب بعيدا، فإن الولايات المتحدة، التي يُضرب بها المثل في تطبيق الديمقراطية تحت دستور مكتوب، عُدل دستورها عشر مرات، وأيضا بحسبة قام بها كاتب هذه السطور للسنوات بين أول تعديل للدستور الأميركي وآخر تعديل له (عام 1952) تبين أن الدستور الأميركي يُعدل في المتوسط كل 16.8 سنة، أي كل ست عشرة سنة وثمانية أشهر!!

جرت الحملات الخمس الانتخابية الأخيرة في الكويت في فترة الصيف الحار، كان الناس يفضلون العجلة ولا يقبلون على مواقع المرشحين، حيث طردتهم الهاجرة، والمواقع حددها القانون بموقعين اثنين لكل مرشح! أما الفترة الحالية فهي فترة شتاء معتدل، يجمع الكويتيون فيه بين الذهاب إلى البر في المخيمات والتردد على مواقع المرشحين ومخيماتهم، من الخبرة ليس كل من يتردد مناصرا للمرشح، البعض يذهب ليستمع وربما يتفرج لا أكثر، ولا أقول لتناول وجبة خفيفة من العشاء.

تجري انتخابات «تصفية» في بعض المناطق لبعض شرائح المجتمع، كانت تسمى «انتخابات فرعية»، فلما كثر اللغط عليها وهي محرمة قانونا - دون تطبيق القانون - أصبح اسمها «تشاوريات» لتخفيف المفهوم على أذن السامع، ولها ضوابط أيضا من دفع الاشتراك، إلى إثبات أن المشارك فيها فعلا مقيد في قوائم الانتخابات، كما يجري المال بأشكال مختلفة أثناء الحملة الانتخابية، بعضه ظاهر بيّن، أي يخضع لبورصة تسمى في الكويت «بورصة الأصوات»، وبعضه في شكل خدمات ومنافع تدفع مقدما أو في شكل وعود مستقبلية.

انتخابات الكويت بسبب طول فترة الممارسة أصبح لها قواعد غير مكتوبة، ولما دخل النساء على الخط بالسماح لهن منذ 2008 بالترشح والانتخاب، أصبح لهن حظ وافر في البورصة إياها، حتى تناقل البعض أنواعا من (شنط السيدات والإكسسوارات) تظهر هدايا للناخبات النشيطات، وكل ذلك متداول في الصحافة اليومية.

تتدخل التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال الحديث في هذه الانتخابات بقوة، فالـ«فيس بوك» والـ«تويتر» والـ«يوتيوب» دخلت منافسا حقيقيا في الترويج من جهة، أو الحط، من جهة أخرى، بمرشح أو مرشحة، وظهرت على السطح ظاهرة؛ ما إن يعلن أحد عن ترشيح لنفسه، حتى تتقاطر عليه الإشادات من المناصرين وأيضا اللكمات الكلامية من المناوئين، بعضها في الحقيقة من أشباح خلف أسماء مستعارة لا تعرف من يشتم من ومن يدافع عن من، وبعضها ظاهر معروف في حملة إشاعات أو إشاعات مضادة، هدف القتل المعنوي للشخصية المستهدفة التي يحققها الإعلام الجديد دون أن يطاله القانون، أو الترويج لشخصية أخرى. الإيجابي في الأمر أن «الشباب الغاضب» على الممارسات وجد له فضاء يعبر فيه، لإظهار تأييده لبعض المرشحين، وصرفه الناخبين عن البعض الآخر، وهو وعي عابر للتكوينات التقليدية يتكون باطراد.

بعض النشطاء ممن أصبح لهم موقع على الإنترنت بأسماء قبائل أو أسر أو حتى دواوين أو مرشحين يتواصلون مع الناخبين على الفضاء الافتراضي، يجيبون عن أسئلتهم وتعليقاتهم، هذا إذا كان السائل أو المعلق اسما واضحا غير محجوب خلف اسم مستعار.

ربما (وهنا أدخل مغامرة غير محسومة النتائج) العصر الذهبي للمرأة الكويتية في المسيرة السياسية، كان في انتخابات 2009، حيث حصلت على أربعة مقاعد، بعد أن فشلت المرأة في انتخابات 2008 في الوصول. من المتوقع أن العدد في الانتخابات المقبلة سيكون أقل مما تم، ذلك توقع ناتج عن أن البعض منهن لم يكنّ في مستوى توقع الناخب لهن من نشاط داخل المجلس، كما أن الوضع العام ليس مواتيا كما كان في عام 2009 الذي تميز بحملة من أجلهن، لقد انخفضت مستويات الحماس.

تتميز الانتخابات المقبلة أيضا بأن بعض الوجوه التاريخية في المسيرة الديمقراطية الكويتية قد غادرت المسرح السياسي طوعا، بسبب الإحباط الذي واكب المسيرة حتى الساعة، أو بسبب خيار التقاعد والصوت الأعلى لنشطاء سياسيين. هذه الحملة تحت شعار «نبيهم شباب».

على نتائج الانتخابات المقبلة سوف يتقرر إلى أين تسير السفينة السياسية الكويتية؛ هل إلى استقرار أم اضطراب جديد، مع الأخذ في الاعتبار عامل الفعل الخارجي، وهو حزمة من المدخلات، أهمها تأثير ربيع العرب على دول الخليج والضغط الإيراني المستمر والمشاغبات العراقية التي تهدأ لتبدأ من جديد.

لقد بدا أن الانتخابات والمجالس التمثيلية ربما قد منعت العدوى من الربيع العربي، ولكنها لم تحقق التنمية، بمعنى تعليم أكثر كفاءة وتوزيع عادل للموارد يؤمن المستقبل، أو جهاز كفء لتسيير الدولة أكثر حداثة ومرونة وبعيدا عن التعقيد المكتبي، بل العكس هو الذي تم، بسبب الاستثمار المعوج لثمار الانتخابات، فقد زاد الإحساس بالمكونات الثانوية في المجتمع من قبلية وطائفية ومناطقية، كما تفاقمت الموروثات السلبية، وتأججت التوترات الاجتماعية، وتردت المنظومة القيمية؛ من شراء الذمم واستسهال مخالفة القوانين. وبالتالي تعطلت عجلة التنمية في ظل نمو شبه مشوه، لقد ثبت أن القضية ليست في الشكل إنما في المضمون!

آخر الكلام:

قال الشاعر:

نعيب زماننا والعيب فينا

وما لزماننا عيب سوانا!