شبيحة وبلطجية ومرتزقة: بعض ملامح هؤلاء؟

TT

رغم أن مجموعات البلطجية والشبيحة والمرتزقة، كررت ظهورها في البلدان العربية مع اندلاع ثورات الربيع العربي، فإن هذه المجموعات ليست جديدة في الواقع العربي. إذ هي قديمة، لكن الجديد فيها، هو فورانها وتحولها إلى ظاهرة بارزة وصادمة بعد أن كانت محدودة الحضور والتأثير، إضافة إلى سمة أخرى، رافقت الربيع العربي، وهي عدم اقتصار بروز ظاهرة البلطجية والشبيحة والمرتزقة وتأثيرها على بلدان التغيير العربي العاصف مثل تونس ومصر وليبيا، وتلك التي تسير نحو التغيير مثل اليمن وسوريا إلى بلدان لا تصنف في إطار بلدان الثورات مثل الأردن، وقد تكشف التطورات المقبلة حضور هذه الظواهر في بلدان الهدوء النسبي، عندما يتطلب الأمر كذلك، لأن التجارب العربية، تنتقل بالعدوى وبعضها ينتقل بالدروس، كما تدلل الوقائع.

والواضح، أن البلطجية والشبيحة والمرتزقة (بالتعبير العملي والدارج) هي تعبيرات لظاهرة واحدة، فيها تمايزات ذات طابع محلي أكثر مما فيها من اختلافات جوهرية بين تلك التسميات، والوظيفة الأساسية للمنتمين إلى هذه الجماعات، تتمثل في قيامهم بالتدخل ضد الغير في أي مكان وزمان ودون أي مبررات منطقية وموضوعية، بمعنى آخر أنهم ليسوا أكثر من أدوات ذات مهمة معينة، يتم تسييرهم باتجاه القيام بها للحصول على النتائج المطلوبة.

وفي الحالات العربية المحددة، جرى استخدام هؤلاء للتدخل في الحملات الانتخابية في كل مراحلها وصولا إلى تغيير النتائج كما حدث مرارا في الانتخابات المصرية قبل انهيار نظام مبارك، وجرى الدفع بهم من أجل فض التجمعات الشعبية غير المرغوب فيها، بما فيها المظاهرات والاعتصامات في العديد من البلدان، وخاصة بعد الثورات العربية، حيث جرى تكليف بعضهم أو فرق منهم بأداء مهمات خاصة بينها اعتداء على أشخاص وممتلكات بما يخدم القوى والأجهزة التي توظف هؤلاء وتستخدمهم بما في ذلك أجهزة الأمن الرسمية، وثمة وظائف تناط ببعض البلطجية والشبيحة والمرتزقة، ومنها أعمال تحتاج إلى تخصصات، كما في الأعمال التي تتم على شبكة الإنترنت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بهدف السيطرة على مواقع المعارضين وجماعتهم، وتهكير تلك المواقع وتدميرها، وشن الحملات الدعاوية التي تخدم الجهات التي توظف هؤلاء أو تقود نشاطاتهم، وقد تتطلب مهمات هؤلاء سفرهم إلى خارج بلدانهم أو تنظيم بعضهم في بلدان الاغتراب. وفي المثال السوري قام الشبيحة بكثير من الأنشطة الخارجية في تركيا ومصر والأردن ولبنان وغيرها.

إن القسم الرئيسي من المنتمين لهذه الظاهرة في سوريا وبلدان عربية أخرى منها مصر واليمن، هم من الهامشيين الذين عاشوا أغلب حياتهم على هامش المجتمع. بل إن جزءا رئيسيا من هؤلاء انخرطوا في أعمال غير قانونية وارتكبوا جرائم، وهي ملامح تجعل من السهل السيطرة عليهم من جانب الأجهزة الأمنية وكبار المتنفذين في النظام الحاكم خاصة مع توفير مستويات معينة لهم من الحماية، وقسم من المنتمين للظاهرة عاملون في شركات خاصة وعند أرباب عمل وثيقي الروابط بالنظام الحاكم، كما أن بين المنتمين للظاهرة عاملين في دوائر وأجهزة الدولة من المدنيين، وتم تنظيم بعض أعضاء في الحزب الحاكم وفي نقابات واتحادات بينها نقابات العمال وهيئات طلابية في هذه الظاهرة.

إن الاختصار المعبر عن هذه الظاهرة، إنما يكمن في ضم حشد من الهامشيين السهلي الانقياد إلى جانب أكراه محتاجين للعمل والأجور، وأنصار من كل لون بينهم سياسيون وأيديولوجيون في نسيج هدفه تشكيل جدران حماية «شعبية» للنظام، والقيام بأعمال من شأنها إحباط أي الأعمال المناهضة للنظام، وإلحاق الأذى بالقائمين بها وبممتلكاتهم وأدواتهم وتدمير حواضنهم الاجتماعية.

ولعله لا يحتاج إلى تأكيد القول إن أعمال المنتمين إلى هذه الظاهرة إنما هي تلبية لمصالح مادية مباشرة وغير مباشرة، يدفعها النظام والنافذون فيه للمنضوين في عداد البلطجية والشبيحة والمرتزقة، بعض تلك المصالح تكون في أجور نقدية مباشرة، وهو الأمر الأكثر شيوعا في التجارب التي عاشتها ثورات الربيع العربي، والأقل منها هي امتيازات تعطى للنخبة ممن يشكلون مراكز الإدارة والسيطرة في الظاهرة، ويوجهون أعمالها. غير المشترك الأكبر الذي يحصل عليه المنتمين إلى هذه الظاهرة، هو ما يسبغه عليهم النظام من حماية غير قانونية، وخصوصا عدم محاسبتهم عن حمل الأسلحة واستخدامها ضد الآخرين وما يقومون به من جرائم أخرى، يتم ارتكابها تحت سمع وبصر السلطات وأجهزتها الشرطية والقضائية وبمباركتها، مما يمكن معه القول، إن ما يقوم به هؤلاء يبلغ حد الجرائم المنظمة.

وبطبيعة الحال، فإن لجوء السلطات إلى استخدام الشبيحة والبلطجية والمرتزقة، لا يعني فقط عدم كفاية أجهزتهم العسكرية والأمنية في إحكام قبضتها على المجتمع وتحركاته، إنما تعني تنويع آليات الضبط والسيطرة بخلق بنى «شعبية» موازية موظفة في خدمة النظام مقابل تلك البنى الناهضة في وجهه، والرافضة لسياساته وممارساته، دون الأخذ بعين الاعتبار ما يترتب على هذا السلوك من آثار أساسها نقل الصراعات إلى عمق المجتمع، مما يهيئ لاندلاع صدامات أهلية، تؤهل البلاد للدخول في أتون الحرب الأهلية.

إن تجارب تونس ومصر في عملية التغيير السريع، لم تترك آثارا كبيرة لما قام به الشبيحة والبلطجية والمرتزقة على المجتمع، وقد تنطبق ذات النتيجة على ليبيا إلى حد ما، لكن الأمر في اليمن وسوريا، قد تكون له نتائج مختلفة بعد استمرار وتواصل تلك الظاهرة قرابة عام كامل، الأمر الذي يعني أن ثمة ضرورة للتوقف عند هذه الظاهرة والتدقيق في نتائجها، التي لن تسلم من نتائجها الكارثية الأجهزة والأشخاص الذين صنعوها، وقاموا برعايتها وليس المجتمع وحده.