الاستعداد لعام 2012.. عام العمل واللعب

TT

عام جديد سعيد للجميع مصحوب بأمنيات بالأمان. أود العودة إلى التوقعات التي عرضتها الأسبوع الماضي لأرى ما إذا كانت ستصبح دقيقة في نهاية عام 2012 أم لا. رغم عمق التراجع الاقتصادي الذي فاق توقعات أي شخص في أي مكان في العالم، فإننا نتطلع إلى عام رائع مثير استثنائي في لندن، بل لعله الأكثر إثارة منذ جيل مضى، حيث ستكون لندن في دائرة الضوء لاستضافتها دورة الألعاب الأولمبية. وسوف تصبح لندن أول مدينة تستضيف رسميا الألعاب الأولمبية لثلاث مرات، حيث استضافتها عامي 1908 و1948. وليس هذا فحسب، حيث ستحظى لندن بصيف لا مثيل له في العالم، حيث سيتركز الانتباه على احتفالات اليوبيل الماسي لجلوس الملكة على العرش، وستكون هناك الكثير من الفعاليات التاريخية والثقافية للاحتفال بمرور ستين عاما على جلوس الملكة على العرش. وسوف تقدم الأسرة الحاكمة حفل «كومنولث» في قصر باكنغهام قبل إضاءة شعلة اليوبيل في المركز التجاري. وسوف يقود قارب ملكي نحو ألف قارب آخر في نهر التيمس في موكب احتفالي باليوبيل.

من الممكن أن يقضي الزائرون وقتا رائعا في لندن، لكن لن يفوت 4 مليارات مشاهد للتلفزيون في أنحاء العالم هذا الحدث، وسوف يشعر الملايين بحيوية القوارب الملكية والمسارح والمنصات المقامة على جانبي النهر والتي ستقام عليها احتفالات ومهرجانات ثقافية لها روح الأولمبيات. وسيكون عام 2012 هو العام الأكثر إثارة واستثنائية في حياتنا في هذه المدينة. وسوف تستضيف لندن أروع دورة ألعاب أولمبية ودورة ألعاب ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو ما سيضعها في بؤرة الضوء وسيعيد للمدينة بهاءها ورونقها القديم. ولحسن الحظ تمكنت من الحصول على تذاكر لبعض الأحداث الرياضية، وأتطلع لمشاهدة الألعاب الأولمبية.

وتعد الحديقة الأولمبية في ستراتفورد في شرق لندن أكبر مشروع بناء تبلغ تكلفته 6 مليارات جنيه إسترليني، ويعمل به 10 آلاف عامل، ومن المقرر أن يتم الانتهاء منه في 9 يناير (كانون الثاني) أي قبل وقت كاف من بداية دورة الألعاب الأولمبية في نهاية فصل الصيف. وسيكون هناك العديد من الأسباب التي تدفع المرء لزيارة لندن خلال الصيف الحالي، كذلك ستكون هناك أسباب تتعلق بالعمل تدفع المرء للتطلع إلى لندن العام الحالي. وسيمارس المستثمرون من الشرق الأوسط نشاطا كبيرا في الأولمبيات، فشركة «طيران الإمارات» هي الراعي الرسمي للتلفريك الجديد الرائع الذي يمر أعلى النهر في لندن والذي سيُعرف باسم «الخطوط الجوية الإماراتية». وستستعد «الخطوط الجوية الإماراتية» إلى الألعاب الأولمبية، حيث ستربط بين شمال وجنوب لندن وتنقل الركاب بين محطتين جديدتين من المقرر أن تتم تسميتهما «إمارات غرينويتش بيننسولا» و«إمارات رويال دوكس». ويقدر عدد الركاب بـ2500 راكب في الساعة. وسوف تنشئ «الخطوط الجوية الإماراتية» خطا مباشرا يربط بين «02» أكبر شارع ترفيهي في أوروبا و«إكسيل»، أكبر مركز عرض في المملكة المتحدة. واستحوذت شركة «أبوظبي ناشيونال إكزبيشينز» على «إكسيل» عام 2008.

ومن المفترض أن يؤثر تسليم الحديقة الأولمبية إيجابا على أجندة نمو الحكومة البريطانية، على حد قول وزير الثقافة جيرمي هانت، وهو يعدد الخطط للمساعدة في تعظيم الفرص خارج البلاد من خلال استغلال دورة الألعاب الأولمبية. ويعتقد هانت أن التراجع الاقتصادي يعني ضرورة دعم فرص هذه الفعالية. وأوضح ضرورة «القيام بكل ما هو ممكن لتعزيز هذه الفرصة» في ظل هذه الأوقات الصعبة التي تمر بها البلاد. وسيكون لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية «تأثير إيجابي كبير» على الثقة في الاقتصاد على حد قوله. وسيكون هذا تعبيرا رائعا عن الثقافة البريطانية والتاريخ والإبداع البريطاني. وهذا الموقف الإيجابي يتعين على السياسيين اتخاذه خلال عام 2012، وأوضح أوليفر بلانكارد، مدير قسم الأبحاث في صندوق النقد الدولي، في مراجعته لعام 2011 الأسبوع الماضي، أربعة دروس مستفادة وهي أن النتائج التي تحقق ذاتها تحدث، والسياسات الجزئية أو غير المكتملة ربما تؤدي إلى زيادة الوضع سوءا، وأن المستثمرين الماليين يعانون من انفصام في الشخصية تجاه الدعم المالي والنمو، وأن الإدراك يشكل الواقع. وأكد على تفاؤله رغم كل ذلك. وكذلك تحدث عن كيفية التعامل مع أزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة وتغيير الوضع في الدول التي تستخدم عملة اليورو، وكذا تدفق رأس المال نحو أسواق الدول ذات الاقتصاديات الناشئة وتحسين عملية تنظيم القطاع المالي. ويقول بلانكارد «قد تكون إعادة التعافي الاقتصادي مرة أخرى على الطريق الصحيح أصعب مما كانت عليه منذ عام مضى». وسيتطلب ذلك خطط دعم مالي واقعية وسيولة نقدية والعمل على تنفيذ الخطط لا الإعلان عنها فقط. وسيتطلب هذا أيضا الكثير من التعاون الفعال بين كل الأطراف الفاعلة.

ومن أسباب التراجع الاقتصادي تردد المصارف الملحوظ في منح القروض، والذي ربما يمثل خطرا أكبر على الاقتصاد الكلي الذي يتسم بعدم اليقين وكذا بيئة التنظيم. إضافة إلى ذلك، تواجه الشركات الاستثمارية في الكويت وشركة «دبي العالمية» (دبي وورلد) أزمة نتيجة الصعوبات المالية في الداخل الناتجة عن الإخفاق في دمج مؤسستين عائليتين في المملكة العربية السعودية. ربما تمر الثقافة الائتمانية في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بتحول بعيدا عن الإقراض وباتجاه العلاقات القائمة على استقلال الأطراف. في عالم تجمعنا فيه الكثير من الأمور، تمثل قضية التغير المناخي واحدة من القضايا المهمة. مع ذلك هناك خلاف حول ماهيتها وما ينبغي القيام به لمعالجتها. ويمثل ائتمان الكربون موردا محدودا مما يشجع على زيادة الاستثمار في هذا المجال، وهذا يعود بنا مرة أخرى إلى لندن، فإضافة إلى أنها مقر بورصة المناخ الأوروبية في خطة الاتحاد الأوروبي لتجارة الانبعاثات ودورها البارز الحيوي كوسيط في مجال الطاقة، تظل المملكة المتحدة من كبار المستثمرين في معاملات المشروع من خلال امتلاك 26 في المائة من آلية التنمية النظيفة. كذلك تمثل المملكة المتحدة مركزا مهما لجمع المال لسوق الطاقة المتجددة من خلال 115 شركة للتكنولوجيا النظيفة مدرجة في بورصة لندن والتي تمكنت من جمع أسهم جديدة بقيمة 10 مليارات جنيه إسترليني.

وزادت قدرة خطة الأمم المتحدة لتجارة الانبعاثات على قيادة سوق الكربون العالمية، رغم ما تواجهه من تحديات كبيرة، حيث بلغت قيمة التجارة 85 في المائة.

وتظل هذه الخطة هي الوحيدة التي تظل ملزمة بعد عام 2012. وتتيح بورصة المناخ الأوروبية تداول عقود آجلة لخطة الاتحاد الأوروبي لتجارة الانبعاثات وخيارات الأسهم، حيث تم تداول 3.335 طن متري من ثاني أكسيد الكربون خلال النصف الأول من عام 2011. ويرتبط التداول في بورصة المناخ الأوروبية بالمركز الذي تتمتع به المملكة المتحدة كوسيط للطاقة في سوق الكربون. كذلك هناك الكثير من شركات التدقيق الكبرى في المملكة المتحدة.

وتتجه شركات وحكومات حول العالم إلى العمل في مجال تجارة الانبعاثات كوسيلة لمقاومة التغير المناخي والانضمام إلى سوق الكربون العالمي الذي بلغ حجمه 142 مليار دولار خلال العام الماضي. والجدير بالذكر أن خطة الأمم المتحدة لتجارة الانبعاثات ملزمة لكل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبية وعددها 27 عضوا، إضافة إلى آيسلندا وليختنشتاين والنرويج. والهدف هو الوصول بالانبعاثات إلى مستوى أدنى من مستواها عام 2005 بنسبة 21 في المائة بحلول عام 2020. ويخصص الدول الأعضاء نصابا محددا من الكربون لـ11 ألف منشأة صناعية. تحصل الشركات حاليا على أكثر التصاريح مجانا، لكن على المنشآت المولدة للكهرباء أن تدفع مقابل الحصول عليها بداية من عام 2013. وسوف تنضم أكثر من 3 آلاف شركة طيران إلى الخطة عام 2012. ربما يكون هذا العام هو عام الاستمتاع بلندن والتخطيط للقيام ببعض المشروعات في المملكة المتحدة. لذا استعد للانطلاق نحو عام 2012، عام الجد واللهو معا.

* أستاذ زائر في كلية الأعمال بجامعة لندن متروبوليتان ورئيس «ألترا كابيتال»