إن شئت أن تطاع...

TT

لا التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز بوجه الملاحة الدولية، ولا التحذير الأميركي بأن الإغلاق «خط أحمر» يستدعي تصدي واشنطن له، يبدوان مقنعين بأن مواجهة عسكرية إيرانية – أميركية باتت واردة قريبا.

المتأثر الأبرز من عرض عضلات إيران العسكرية في الخليج والتحذيرات الأميركية المقابلة، هو برميل النفط الذي تقلبت أسعاره مع تقلبات حرارة المواجهة الكلامية بين الطرفين.. التي لم تحل، حتى في أوج توترها، دون إقدام البحرية الأميركية على «خطوة إنسانية» تمثلت بإغاثة بحارة سفينة صيد إيرانية وتحرير طاقمها من أسر القراصنة.

يقول مثل عربي: «إن شئت أن تطاع... فأمر بما يستطاع». والمستطاع لدى الجانبين الأميركي والإيراني ليس كبيرا، ما يوحي بأن ما يمثل على مسرح الخليج اليوم سيناريو تصعيد كلامي تحد من غلوائه مصالح الطرفين، ففي ما وراء سياسة «حافة الهاوية» التي يمارسها الطرفان بجلبة وضوضاء، معطيات يصعب علي أي منهما تجاهلها قبل تصعيد المواجهة إلى حالة حرب مكشوفة.

قد لا تكون إيران عاجزة عن إغلاق مضيق هرمز، ولو لبعض الوقت، أو حتى عن ضرب أهداف عسكرية أميركية في منطقة الخليج، ولكن قرارا كهذا لن يكون قرارا عسكريا بقدر ما سيكون سياسيا في الدرجة الأولى.

بادئ ذي بدء، تدرك إيران، مثل الولايات المتحدة، أن إغلاق الممر الحيوي لصادرات 17 مليون برميل نفط يوميا (نحو خمس تجارة النفط العالمية) ستطال أضراره، أول ما تطال، الاقتصاد الإيراني الذي يعتمد على صادرات النفط بنسبة 80 في المائة من دخله. وأهمية استمرار صادرات النفط الإيراني إلى الخارج تنامت بوضوح عقب شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أي تاريخ تشديد العقوبات الغربية الجماعية على طهران تجاوبا مع تأكيد تقرير لجنة الطاقة النووية وجود «مؤشرات قوية» على احتمال تطوير إيران لسلاح نووي.

وفي سياق هذه الضغوط يندرج أيضا إقرار الكونغرس الأميركي في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مشروع قانون اقترحه الرئيس الأميركي، باراك أوباما، يفرض حزمة عقوبات جديدة على إيران، أبرزها إخضاع الشركات الأجنبية التي تتعامل مع البنك المركزي الإيراني (القناة الرسمية لأكثر من نصف صفقات النفط الإيرانية) لحظر يحول دون تعاملها مع النظام المالي الأميركي، ما قد يضطر مستوردين رئيسيين للنفط الخام الإيراني، هما الصين واليابان، إلى خفض مشترياتهما منه.

وإذا كانت خيارات إيران محدودة على هذا الصعيد فهذا لا يعني أن وضع الخيارات الأميركية أفضل، ما يسمح بالقول إن المواجهة العسكرية لا تبدو الخيار المحبذ في واشنطن - حتى الآن على الأقل - فالإدارة الأميركية تفضل انتظار تأثير العقوبات الاقتصادية على التصرف الإيراني خصوصا في حال طبق الاتحاد الأوروبي، جديا، عقوباته الخاصة الداعية إلى مقاطعة استيراد النفط الإيراني.

وبالمنظور السياسي أيضا يصعب على رئيس أميركي فاز بالرئاسة على أساس وعد علني بإعادة الجنود الأميركيين إلى بلادهم، أن يخرجهم من الشرق الأوسط من بوابة العراق ليعيدهم إليه من بوابة إيران.

ومما يزيد قرار الحرب صعوبة استمرار معاناة الاقتصاد الأميركي – المتعثر حاليا - من التكلفة المالية الباهظة للحرب على «الإرهاب الدولي»، بما في ذلك حرب العراق.

الأرقام التي ذكرتها إحصائية لجامعة براون الأميركية، والتي تتراوح ما بين الـ3.2 والـ4 تريليونات دولار، تكفي، وحدها، لإقناع الإدارة الأميركية بتقديم الضغوط الاقتصادية على أي عمل عسكري. وإذا أضيف إلى ذلك وضع الخزينة الأميركية - التي كادت أن تضطر الإدارة للتخلف عن سداد ديونها لو لم يرفع الكونغرس سقف مديونيتها - يصبح التفكير بعمل عسكري في الخليج مغامرة قد تطيح بما تبقى من هيبة الدولار الأميركي.