ربيع تونس.. أم خريفها؟

TT

حين نسعى لرصد انتكاسات طالت دول الثورات العربية ومجتمعاتها فستتعبنا كثرة العلل وستقلقنا دلالاتها.

فبعد أيام من ذكرى مرور سنة على انتهاء الديكتاتورية في تونس، أصدر رئيس الوزراء الإسلامي، حمادي الجبالي، قرارا بتعيين مسؤولين في وسائل إعلام عمومية بينها التلفزيون الرسمي.

جرى ذلك في بلد لا يزال يحتفي بثورة البوعزيزي التي كانت ضد التسلط وضد احتكار الدولة للاقتصاد وللسياسة وللحريات. كان زين العابدين بن علي هو من يعين مسؤولي الإعلام الرسمي، وقرار الجبالي الأخير لا يخرج أبدا عن منظومة التفكير نفسها حتى لو جرى تبرير ذلك لاحقا بأنه إجراء مؤقت حتى تجرى انتخابات صحافية.

كيف للجبالي، الذي عذبه بن علي وسجنه، أن يختار ممارسة أسلوب الديكتاتور الذي وضعه في زنزانة قرابة العقدين قبل أن يخرج بعد إضرابه عن الطعام؟ فقد سجن الجبالي بتهم تشابه ما يقوم بضبطه هو اليوم.

في أواسط التسعينات سُجن الرجل بتهمة نشر مقالات تنال من الدولة وتحرض على العصيان والانتماء لجمعية غير مرخصة ومحاولة قلب نظام الحكم. فما الحكمة اليوم من تعيين مسؤولي صحافة وإعلام إن لم يكن لضبط الإعلام ولضبط ما يقال وما يكتب على النحو الذي استهدف الجبالي نفسه في عهد بن علي؟

في الحقيقة تؤشر الكثير من الوقائع المستجدة في تونس إلى أن القوى التي حملتها الثورات إلى السلطة أو إلى المجالس النيابية لا تملك حساسية التخفف من إرث الأنظمة التي قامت على أنقاضها.

في تونس، جرى تكثيف لهذه المعادلة في الأشهر الأخيرة. وتولت حركة النهضة الإسلامية استئناف طقوس نظام بن علي فاختارت ابن أخت رئيسها الغنوشي وزيرا للخارجية، وها هو وزيرها الأول اليوم، أي الجبالي، يقدم على تعيين قيادات وسائل الإعلام، مثبتا أننا أمام احتمالات تكرار مأساوي لأنماط الأنظمة ولأشكال حكمها.

غياب حساسية التمييز بين الإعلام العام وإعلام الدولة، والانتقال من الثانية إلى الأولى، من المفترض أن يكونا من بديهيات المهام التي تتصدى لها النخب الحاكمة الجديدة، لا سيما أننا كنا حيالهم كضحايا لهذا التعسف. ثم إن الإعلام، قبل غيره من القطاعات، يملك حساسية فائضة حيال تصرفات من هذا النوع؛ فدوره في إشعال الثورات وفي إظهار مشهد رفض التسلط والتعسف من المفترض أن يجعله أكثر حساسية حيال احتمال مصادرته من قبل سلطة حتى لو كانت منتخبة.

الإعلام الذي يفترض أن واحدا من مكتسبات الثورة هو في جعله محايدا ليس كذلك تماما وما كل الاستهدافات التي تطال الصحافيين، سواء على مستوى الاعتداء الشخصي أو على مستوى القوانين والتعيينات، سوى مؤشرات غير مطمئنة على الإطلاق.

القلق يسيطر علينا جميعا وليس تونس وحدها هي مصدر القلق.

فهل حل الخريف ليطوي نسمات الربيع العربي ويحيلها ريحا باردة، أم هو فصل آخر يعصف بنا قبل أن يزهر الربيع مرة أخرى؟

diana@ asharqalawsat.com