هل نجح داود أوغلو في إقناع الإيرانيين؟

TT

هل نكون مبالغين إذا ما وصفنا مسار العلاقات التركية - الإيرانية في السنوات الخمس الأخيرة بالحقبة الذهبية، وذلك بالمقارنة مع العقود السابقة، وتحديدا بعد الثورة الإيرانية عام 1979، التي أثارت قلق النظام العلماني التركي، وتركت الجانبين وجها لوجه وفي حالة استنفار دائم.

تركيا التي:

- قررت رفع حجم تبادلها التجاري مع إيران من 10 مليارات دولار إلى 15 مليارا هذا العام.

- وأعطت الأولوية لإيران لكي تكون أول دولة يزورها داود أوغلو في العام الجديد.

- وعرضت خدماتها مرة أخرى على طهران التي تعاني من عزلة دولية وحصار اقتصادي واسع، عبر تحريك الملف النووي بوساطة جديدة بين إيران ومجموعة «5+1»، تقول من خلال كل ذلك إنها لن تتخلى عن إيران بمثل هذه السهولة.

وزير الخارجية التركي داود أوغلو العائد من زيارة طهران يقول: «كان هناك تحليلات وتوقعات كثيرة حول تعارض المصالح التركية - الإيرانية، وتدهورها وتراجعها في العامين الأخيرين، لكننا تجاوزنا الكثير من هذه المطبات، من خلال منظومة العلاقات الثنائية القوية. لا نعرف طبعا ما إذا كان الحديث عن رفع حجم التبادل التجاري على هذا النحو، خلال عام واحد، يعني أن تركيا هي التي ستعوض عن إيران ولو جزءا من سلبيات وأضرار الحصار الدولي الذي تعاني منه.

الوزير التركي، كما أوضح بعد الزيارة، طالب الإيرانييين بمراجعة مواقفهم وسياساتهم حيال الأزمة السورية أولا، ثم حملهم رسائل جديدة تنقل إلى القيادة في دمشق بعدما تعثر على حكومة أردوغان طلب ذلك من زعيم حزب السعادة الإسلامي المعارض، الذي قصد دمشق لينتقد من هناك الأخطاء السياسية التي ترتكب من قبل حكومة العدالة والتنمية في التعامل مع ملف الأزمة السورية.

النتائج الأولية للزيارة تقول إن داود أوغلو ذهب لإقناع طهران بتغيير موقفها في الموضوع السوري، لكنه عاد وقد أقنعته هي بدعم تحريك فرصة جديدة في الملف النووي، عبر طاولة حوار جديدة ترتب في إسطنبول.

داود أوغلو ناقش مع الإيرانيين مسألة ولادة الهلال الشيعي التي تسجل بروزا واندفاعا قويا في العراق والبحرين ولبنان تحديدا، والتي تقلق أنقرة وتهدد مصالحها وسياساتها العربية والإقليمية. لكن الحقيقة هي أن الحرب الباردة المذهبية التي يحذر منها الوزير التركي انطلقت منذ سنوات، والبعض قطع شوطا بعيدا فيها.

داود أوغلو ذكر الإيرانيين بوثيقة التفاهم التركي - الخليجي الموقعة والتعهدات المشتركة، وأن تركيا باتت تعتبر الخليج امتدادا حيويا لمصالحها ونفوذها الإقليمي هي أيضا، وأنها لن تسمح بتغيير الموازنات القائمة أو التلاعب بالمعادلات الحساسة والدقيقة الموجودة هناك. لكن الرئيس الإيراني قال إنه يعطي الأولوية لملف آخر، فهو رفع السماعة لمحادثة الرئيس الروسي خلال لقائه بالوزير التركي لاستشارته في موضوع وساطة تركية جديدة في الملف النووي، داعيا داود أوغلو للتأكد من النية الأميركية بهذا الخصوص، وجاء الجواب فوريا، بعد اتصال بين أردوغان وجو بايدن، بأن أميركا لن تعارض الجهود التركية المندرجة في إطار الخطة الأخيرة التي اقترحتها المجموعة الأوروبية.

وزير الخارجية التركي يقول: «بقدر ما نتبنى الحذر في التعامل مع الملف الإيراني في الأمم المتحدة، نعتمد الصراحة نفسها مع الإيرانيين في الموضوع السوري».

داود أوغلو كرر على مسامع الإيرانيين أن أنقرة لا تريد أن تأخذ مكانا في مواجهة تصعيدية ضد إيران، لكنه سيجد صعوبة في إقناع الإيرانيين بأن أنقرة ليست أطلسية حتى العظم وملتزمة بالقرار الغربي حتى النهاية، خصوصا في الموضوع السوري الذي سيترك إيران وتركيا وجها لوجه إذا لم يغير أحدهما موقفه، وهذا ما يريده النظام في دمشق ويلعب على تفجيره، لحظة قبل أخرى.

إيران من ناحيتها تردد أن لها بعض التحفظات على المواقف التركية العربية والإقليمية، لكن ذلك لن يتحول إلى مواجهة ساخنة مع أنقرة. التنافس لا بد أن يكون موجودا، لكن ذلك لا يجوز أن يتحول لاستهداف وتضارب وقطيعة.

لكن السؤال الأهم يبقى معرفة ما إذا كانت إيران ستقايض ملف الأزمة السورية بملف سلاحها النووي، وتتخلص بالتالي من الضغوطات الغربية التي تتعرض لها؟ هل قدمت أنقرة لها ضمانات كافية مقنعة بهذا الاتجاه؟

قبلة الوداع التي يجري الحديث عنها بين طهران وأنقرة لم يضعها داود أوغلو على جبين نظيره الإيراني، هذه المرة أيضا هو متمسك باستقبال الإيرانيين في إسطنبول، لكنه يعرف أيضا أن البعض يستعد لربط الأحزمة قبل الانفجار والبعض الآخر يتهيأ لربط «الأحذية» ومغادرة المكان. الكل مطالب بتحديد موقعه وبأخذ مكانه واختيار اتجاهاته على هذا الأساس.

السيناريو الأصعب الذي لا نناقشه لأنه الأكثر إيلاما، خلال الضغط على المخيلة، هو أن يكون أحدنا يلهي الآخر بإشغاله بمواقف ومسائل، كالحديث عن استمرار الحوار والتعاون، بينما يكون هدفه الأساسي منح الآخرين الوقت والفرص لإنجاز المطلوب على جبهات أخرى!