أطباء القلب.. جودة الأداء وضرورات الاهتمام بالمرضى

TT

يعد «معدل عودة الدخول إلى المستشفى» rehospitalization rate أحد المؤشرات المهمة في تقييم كفاءة عمل الأطباء ونجاحهم في معالجة مرضاهم. وكلما ارتفعت نسبة المرضى الذين تنتكس حالتهم الصحية ويُضطرون إلى الدخول إلى المستشفى خلال الـ30 يوما التالية لخروجهم منها، ارتفعت درجة الشكوك لدى تقييم جودة الأداء الطبي للأطباء العاملين.

ومن أهم فئات الأطباء الذين يتوجب عليهم رفع مستوى جودة إتقانهم للخدمات العلاجية المقدمة للمرضى، هم فئة أطباء القلب. وثمة اليوم «خلل ما»، وبصفة عالمية، في مستوى ونوعية تقديم أطباء القلب للخدمات المطلوبة منهم بكفاءة تضمن معالجة المرضى بنجاح وتضمن أيضا رضا المرضى عن تلك الخدمات العلاجية، مما يعني تلقائيا ضرورة البحث عن حلول عاجلة ومؤثرة، تضمن رفع مستوى جودة الأداء والاهتمام بسلامة المرضى لدى هؤلاء الأطباء.

دعونا نأخذ عمليات «تثبيت الدعامة» stent insertion لتوسيع المجرى المتضيق أو المسدود في شرايين القلب coronary angioplasty، كأحد الأمثلة للحالات العلاجية التي يقوم بها أطباء القلب لخدمة مرضاهم. ومعلوم أنها إحدى وسائل «العلاج التدخلي عبر القسطرة» لعلاج حالات جلطات النوبة القلبية infarction أو حالات الذبحة الصدرية.

وضمن عدد 23 ديسمبر (كانون الأول) الماضي من مجلة الكلية الأميركية للقلب JACC: Cardiovascular Interventions، تم نشر نتائج «دراسة ولاية نيويورك» التي قام الباحثون فيها بمتابعة 40 ألفا من المرضى الذين تمت لهم عملية تثبيت الدعامات القلبية تلك. وتبين للباحثين أن واحدا من كل 6 مرضى تتم لهم هذه العملية في ولاية نيويورك، يُضطرون إلى عودة الدخول إلى المستشفى في الـ30 يوما التالية لخروجهم منها بسبب إما آلام الذبحة الصدرية أو ضعف القلب أو اضطرابات قلبية أخرى. وأن واحدا من بين كل 3 مرضى يتم إعادة إدخالهم إلى المستشفى، يضطر الأطباء إلى إعادة عملية القسطرة وتثبيت دعامة جديدة في أحد شرايين القلب!

وكان تعليق الباحثين مختصرا جدا بالقول: «هذه أرقام مثيرة للقلق»، وهي بالفعل كذلك. وفي نفس الوقت أضافوا أن تحليل هذه الأرقام لمعرفة مسببات ارتفاع معدلات عودة الدخول إلى المستشفيات، يشير بوضوح إلى أنه يتعين على أطباء القلب إدراك أن عليهم التعرف على عوامل الخطورة التي تجعل المريض أكثر عرضة لعودة الدخول إلى المستشفى، وبالتالي يتعين على الأطباء اتخاذ الاحتياطات اللازمة، والتأكد من تطبيقها، عند اتخاذ قرار خروج المريض من المستشفى. أي بعبارة أخرى، على أطباء القلب بذل مزيد من الجهد لإتقان تقييم المرضى ومعالجتهم والعمل على تهيئتهم للخروج من المستشفى بطريقة تضمن عدم اضطرارهم لعودة الدخول إليها.

وعلق الدكتور أدريان هيرناندز، طبيب القلب في جامعة ديوك بديورهام في ولاية شمالي كارولينا، بالقول «بالعموم كل الدراسات أظهرت أن معدلات عودة الاضطرار للدخول إلى المستشفى بعد تثبيت دعامات شرايين القلب هي بالفعل أعلى بكثير مما نتوقع كأطباء قلب. وهي مؤشر على وجود مشكلة قومية في هذا الشأن».

من جانبه طرح الدكتور جوزيف كاكشوني من كليفلاند كلينك تعليقه بأن هناك عوامل خطورة وعلامات تحذيرية تدل طبيب القلب على ارتفاع احتمالات حصول عودة الدخول إلى المستشفى. وأضاف موجها حديثه لأطباء القلب بالقول: «بالإمكان إبقاء المريض في المستشفى لفترة أطول نسبيا، وعدم الاستعجال في إخراجه منها، للتأكد من استقرار حالة هؤلاء المرضى، وكذلك العمل بشكل مكثف للعناية الدقيقة بالمرضى خلال إقامتهم في المستشفى، وأيضا تنسيق عملية الرعاية الطبية والمنزلية في فترة ما بعد الخروج من المستشفى». وأضاف أن «إبقاء المريض لمدة يوم إضافي أفضل بكثير، وأقل كلفة بكثير، من الاستعجال في خروجه واضطراره لاحقا للعودة إلى الدخول للمستشفى أو زيارة أقسام الإسعاف في المستشفيات».

والواقع أن تثبيت الدعامات في شرايين القلب ليس المثال الوحيد، وفي عدد 4 يناير (كانون الثاني) الحالي من مجلة الرابطة الأميرية للطب الباطني Journal of the American Medical Association نشرت نتائج دراسة الباحثين من قسم طب القلب بجامعة ديوك والتي أثارت قضية ارتفاع معدلات عودة دخول مرضى جلطات القلب في الولايات المتحدة إلى المستشفى بعد خروجهم منها. وتبين بمراجعة الباحثين للمقارنة بين ما يجري في الولايات المتحدة مع ما يجري في 16 دولة غربية أخرى، أن عودة الدخول إلى المستشفى لمرضى الجلطات القلبية خلال الـ30 يوما التالية لخروجهم منها، هي الأعلى في الولايات المتحدة.

والحقيقة أن ما هو مطلوب من أطباء القلب أكبر بكثير مما يقومون به، وحساسية الأمر مردها أن أمراض القلب هي بالفعل ذات تأثيرات عميقة على سلامة حياة الإنسان وصحته.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]