المثل الحسن

TT

(الشهامة والنجدة والمروءة)، هذا الثالوث الرائع الرهيب لو بقي على وجه الأرض ولم يضمحل أو يتلاشى، لكان الإنسان بألف خير، ولكن على من أنت تعزف مزاميرك يا مشعل؟!

وسوف أضرب لكم ثلاثة أمثال، أو بالأحرى أربعة أمثال، لأن المثال الرابع يخصني ويخص بعض أصدقائي الذين هم بطبيعة الحال من أصدقاء السوء.

المثال الأول يقول: إن هناك رجلا كان مسافرا على حصانه في صحراء شاسعة، وإذا به يلمح رجلا منقطعا يسير على أقدامه المتعثرة وهو بين الحياة والموت من شدّة الإعياء والجوع والعطش، فاتجه له وأسعفه وسقاه وزيادة منه في كرمه أركبه على حصانه وأخذ يقوده هو بنفسه، وبعد أن ارتدت الحياة لذلك الرجل طمع بالحصان وما عليه من حوائج وزاد، واستغلها فرصة وهمز الحصان وانطلق به كغنيمة تاركا صاحبه خالي الوفاض من كل شيء. فما كان من الرجل المنجد إلا أن يصيح به طالبا منه شيئا واحدا وهو أن لا يخبر أحدا عن هذا الذي حصل بينهما لكي لا تنقطع المروءة بين الناس.

والمثال الثاني يقول: إن هناك لصا انتشل صرة نقود من فقيه فاضل وهرب بها فأخذ الفقيه يجري وراءه، صائحا وهبتك قل قبلت، وهبتك قل قبلت، يريد أن يهبها له حتى لا يقع في الذنب!

أعتقد لو أنني كنت في مكان ذلك الفقيه الفاضل فلن أقول له: وهبتك إياها، بل إنني سوف ألاحقه بأقذع الشتائم وأقذفه بالحجارة بقدر ما أستطيع إلى أن أدمي عراقيبه.

والمثال الثالث: عن رجل مجري كاد يلقى حتفه لولا عناية الله، ويقول الخبر: إنه قام بشهامة ونبل بالنزول إلى حفرة عمقها أكثر من عشرين مترا، لإنقاذ كلب استنجد أهله به، وعندما نزل ربط الكلب في حبل وتم إخراجه بسلامة.

لكن أصحاب الكلب الأشاوس من شدة فرحتهم بنجاة كلبهم ركبوا سيارتهم وانطلقوا تاركين الرجل على عمق 20 مترا يصرخ ويولول، ولولا أن سمعه بعض المارة واستدعوا رجال البوليس لإخراجه، للقي حتفه بسبب الكلب.. بيني وبينكم (يستاهل).

أما المثال الرابع: المخجل الذي يندى له جبيني الآن، فهو حصل عندما نزلت من شقتي المفروشة في القاهرة مع ثلاثة من الأصدقاء لقضاء سهرة ماتعة في مكان ما، وقبل أن نخرج سمعنا رجلا ينادي ويخبط ويجعّر بأعلى صوته؛ حيث إنه محجوز في (الأسانسير)، هدأنا من روعه وبحثنا عن حارس العمارة ولم نجده، وعندما نظرت أنا إلى ساعتي وإذا بها تشير إلى الساعة الثانية عشرة، فحثثتهم على الذهاب خوفا من أن تضيع علينا السهرة قائلا لهم: اتركوه فإنه لن يموت، واقتنعوا بكلامي، وهذا هو ما حصل فعلا، وعندما عدنا بعد أربع أو خمس ساعات، وإذا بالرجل المسكين ما زال يراوح في مكانه محبوسا يصرخ ويخبط.

والنذالة أننا أيضا تركناه وطلعنا على أقدامنا إلى الشقة لننام نوم العوافي.

وضربنا بذلك مثلا حسنا (بالشهامة والنجدة والمروءة) معا.

[email protected]