هروب أم تهريب السجناء؟!

TT

بين فترة وأخرى تنشر وسائل الإعلام العراقية أخبارا عن هروب مجموعة من السجناء في العراق، وتتكرر هذه الحوادث إلى الحد الذي يجعلها ظاهرة تستحق الدراسة والتحقيق في أسبابها ومسبباتها والآثار والأطراف المستفيدة والمتضررة منها على حد سواء.

ورغم أن (العراق الجديد) يحفل بما هو غريب وعجيب من أخبار السياسة والفساد والإرهاب والإهمال فإن هروب السجناء بهذا العدد الكبير والمتسلسل من سجون وأماكن مختلفة من بغداد والبصرة والحلة والموصل وديالى والمثنى ودهوك جعل العراق يتصدر قائمة الدول التي ترتفع فيها أرقام عمليات الهروب من السجون، فقد رصدت (منظمة الإصلاح الاجتماعي العراقية) - في إحصاء نشرته بالتعاون مع المنظمات الدولية - أكثر من 4000 حالة هروب في عموم محافظات العراق للسجناء منذ عام 2006 وحتى عام 2010، جاءت بغداد في المرتبة الأولى تليها محافظات نينوى، الأنبار، صلاح الدين، ديالى، البصرة، بابل، ذي قار، واسط، حسب تصنيف المنظمة المذكورة. وقد أكدت مراقبة حقوق الإنسان الدولية ذلك أيضا في تقريرها لعام 2010 الذي أشار إلى أن العراق تصدر قائمة الدول التي ترتفع فيها أرقام عمليات الهروب من السجون طيلة السنوات السابقة.

آخر هذه الأخبار هو تمكن 11 سجينا، بينهم محكومون بالإعدام، من الفرار صباح السبت 7/1/2012 من سجن زركا في محافظة دهوك وأعلن مدير السجن في تصريحات صحافية أن «السجناء حفروا نفقا بطول 80 مترا وهربوا منه»، موضحا أن تحقيقا فتح وأن عمليات واسعة النطاق للبحث عن الفارين قد بدأت، وأقر المسؤول بأن الفارين «لم يتركوا أي أثر يدل على الطريقة التي حفروا بها النفق.. لقد دهشنا». كما أوضح أن أربعة من السجناء الفارين محكوم عليهم بالإعدام في حين يمضي ثلاثة آخرون عقوبة السجن المؤبد وتتراوح عقوبات الآخرين بالسجن لفترات بين خمسة و15 عاما. وقد حكم عليهم بجرائم قتل وتهريب مخدرات.

المهم في كل ما قلناه سابقا أنه إذا كانت هناك من أسباب أو ذرائع يتحجج بها المسؤولون في عمليات هروب السجناء في العراق، وهي في قسم منها مقبولة نظرا للأوضاع المعروفة في العراق، فإن هذه الأسباب تسقط ولا مجال للقبول بها في إقليم كردستان المستقر الآمن والذي تحكمه سلطة منتخبة ومختارة من أبناء شعبه ومنذ فترة تزيد على 21 سنة، وهو ما يثير الاستغراب لكل من يسمع هذه الأخبار خصوصا أن هذه ليست المرة الأولى فقد حدثت قبل فترة حالة هروب من نفس السجن في دهوك كما شهدت السليمانية حالات هروب مماثلة. وفي كل مرة يؤكد المسؤولون سواء في العراق أو في إقليم كردستان على تشكيل لجنة للتحقيق في أسباب الهروب وتحديد المقصرين ومعاقبتهم حسب القانون، لكن مع الأسف يمضي خبر اللجنة التحقيقية سريعا ولا يعرف أحد ماذا حدث؟ ولماذا حدث الذي حدث؟ ومن هو المقصر ومن هو المستفيد؟ وبعد فترة يتم نسيان أو تناسي الموضوع وفق المثل المعروف (لقد ضرب من ضرب وهرب من هرب)!

لقد حدد قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل في الفصل السابع منه وتحت عنوان (هرب المحبوسين والمقبوض عليهم وإيواؤهم) وفي المواد 267 إلى 273 عقوبات واضحة ومفصلة لكل حالات هروب وتهريب الموقوفين والمحكومين، كما نص قانون الادعاء العام رقم 159 لسنة 1979 المعدل في المواد 18 إلى 24 على دور الادعاء العام في دوائر الإصلاح الاجتماعي (السجون) ومسؤوليته في متابعة تنفيذ الأحكام والقرارات وطلبات صفح المجني عليه والإفراج الشرطي عن المحكومين، وهي مهام جسيمة وكبيرة يمكن أن تؤدي إلى حل كثير من المشكلات التي تعاني منها السجون العراقية لو تم تفعيل جهاز الادعاء العام وإعطاؤه الدور الذي يقوم به في بعض البلدان باعتباره (قاضي تنفيذ العقوبة) وتوحيد السلطة والجهة التي تقوم بمهمة إدارة السجون وتحقيق الإصلاح الاجتماعي بما يقلل أو يُبعد عمليات هروب وتهريب السجناء.

* قاض وعضو الادعاء العام في العراق