المتغيرات التي حولت بشار إلى شمشون

TT

في قمة العرب البيروتية (2001)، وفي أوج الفرحة بالمنصب والسلطة، حاضر الشاب الوارث، من فوق. فوق، الزعماء العرب. جامل أهل الحكمة والتجربة فورة الشباب. فسكتوا عنه. عندما اختلف معهم، بعد سنين قليلة، وصفهم متماديا بأنهم «أشباه رجال»!

ها هو بشار اليوم يدخل أولى سني الكهولة (46 سنة). لم تزوده السلطة المطلقة بحكمة التجربة. فقد فرز العرب عربين. ألحق نفسه ونظامه بالعرب العاربة. قال عن عرب الجامعة إنهم عرب «مستعربة». عرب «بلا ثقافة. بلا حضارة»! ربما لأنهم لم يلتحقوا مثله بإيران.

ماذا سيكون رد عرب عدنان على عرب إيران؟ عرب الأغلبية الصامتة في انتظار يوم الخميس (19 يناير «كانون الثاني» الحالي) على أحرَّ من الجمر. من القاهرة، سيأتي رد وزراء خارجية العرب.

في الرد على الإهانة. والاستفزاز. والتهديد، أعتقد أن هناك ثلاثة خيارات أمام العرب: تدويل بشار، بإحالته إلى مجلس الأمن، بعدما تحول إلى «شمشون»: عليّ. وعلى العرب. المنطقة. والعالم.

الاحتمال العربي الثاني يستوحي قلة الحيلة مع نظام لا بد من مداراة سفاهته، بتمديد المهلة المعطاة له، ليصلح نفسه، ويكف عن التسلّي بقتل شعبه.

الاحتمال الثالث والأخير سحب المراقبين. فـ«مَنْ راقب الناس مات هما». وتركُ الحسم للصدام الدموي بين الشعب والنظام في الميدان.

لكل من هذه الاحتمالات إيجابيات وسلبيات. أبدأ أولا بشمشون الأسد. فقد خرج من قوقعة عزلته، ليهدد الأحياء بمصير الأموات من ضحايا النظام، اعتقادا منه بأن المتغيرات الأخيرة في الموقفين العربي والدولي، جاءت لخدمته، لتحسين مواقع نظامه. وفي مقدمة هذه المتغيرات وصول الأسطول الروسي وصواريخه.

في رؤيتي لاحتمال التدويل، أجد أنه مجرد انتقال من عجز عربي، إلى عجز أميركي/ أوروبي. مع حياد أنجيلا ميركل قاطرة أوروبا الاقتصادية، يبدو أوباما وساركوزي مشغولين في انتفاضة انتخابية لا تقل تهديدا لمستقبلهما السياسي، عن تهديد الانتفاضة السورية لشمشون بشار.

وبالتالي، فالتدخل الغربي في سوريا مستبعد حاليا، طالما أنه عاجز عن نيل «الرخصة» من مجلس الأمن العاجز، بدوره، عن بصمها، بوجود الفيتو. التوأم الروسي/ الصيني.

السؤال المحيِّر في هذا العجز الدولي: لماذا تشجع أميركا وأوروبا، إذن، مجلس برهان غليون الإخواني، على المطالبة بالتدويل الذي تعارضه، أصلا، معارضة الداخل؟ هل هي مجرد الرغبة في تنكيد حياة شمشون الأسد، وإدامة الصراع الدموي في سوريا؟

يبدو أن مجلس المعارضة السورية الخارجية معجب بمشروع التدويل الذي أتاح له الظهور الدعائي، في «مجلس» دهاقنة السياسة الدولية: هيلاري. هيغ. جوبيه.. فيما كان على المجلس السوري الانشغال بدعم التنسيق بين جناحيه الليبرالي والإخواني. ثم تحقيق التوافق مع المعارضة الداخلية، بعدما أجبره أردوغان وداود أوغلو على وضعه في الخدمة الدعائية لجيش سوريا الحر المنطلق من تركيا.

احتمال رهان عرب الجامعة على «تسوية» ما، مع النظام، ينطلق من واقع الانقسام العربي بين معارض. ومنحاز. وشاهد «ما شافش حاجة»، على الرغم من العيون السود لـ170 مراقبا دخلوا من بوابة النظام. ومهددون بالخروج مسحوبين. أو مطرودين من النافذة.

أعتقد أن المتغيِّر الأهم في الموقف العربي هو الانشغال بتفاقم الصراع في الخليج: إغلاق إيران لمضيق هرمز خط أحمر. أميركا وأوروبا اللتان تنهلان من نفط الخليج ستسارعان إلى فتح المضيق بالقوة. إذا ردت إيران بالتعرض لحقول النفط والناقلات الخليجية، فالرد على الرد سيكون بتدمير الحقول النفطية الإيرانية. وربما معها مراكز المشروع النووي الإيراني.

الصين تسعى إلى الحصول على جرعة نفطية خليجية بديلة للنفط الإيراني. لكن روسيا سارعت إلى التحذير من شن حرب أميركية على «جارتها» إيران. السبب الحرب الدبلوماسية والإعلامية التي يشنها الغرب على نظام بوتين. هناك مساومة تحت الطاولة بين الغرب وبوتين. إذا نجحت التسوية بتحييد روسيا، يصبح موقف بشار ونجاد حرجا للغاية، فيما تنتعش المبادرة العربية لتأديب النظام السوري.

أذكِّر هنا بأن المبادرة العربية لم تصل، بعد، رسميا إلى المطالبة العلنية بتغيير النظام. فهي تدعو المعارضة إلى الحوار معه.

ولعل الخليجيين، ربما باستثناء القطريين أو بالاتفاق معهم، غير راغبين في وصول «الإخوان» إلى إحياء مشروع الخلافة الإسلامية مع تركيا. من خلال سيطرتهم على سوريا، بعدما سيطروا انتخابيا على مصر ومعظم المغرب العربي.

وصل تردد الجامعة إلى درجة عدم نشر تقرير الفريق السوداني محمد الدابي عن جولته «السياحية» في سوريا مع مراقبيه، واكتفاء الأمين العام نبيل العربي بالقول إن التقرير كان «مُرْضيا». فقد ساوى بين القتلة والمقتولين. لعل الخليجيين، بعد الجروح التي ألحقها كل من الشبيحة والانتفاضة بالمراقبين الكويتيين والإماراتيين، يترحمون على حنكة وتجربة المخضرم عمرو موسى.

مع ذلك، لست ضد المراقبين العرب، بمن فيهم الدابي. وأستغرب إلحاح قادة انتفاضة الخارج والداخل على استعجالهم في مهمتهم أو سحبهم. فهم على كل حال أفضل من قوات بان كي مون العاجزة عن حفظ سلام جنوب لبنان. ودارفور. والكونغو. وجنوب السودان.

أما الانسحاب فهو الاحتمال الأسوأ. الانسحاب العربي يمنح شمشون النظام الفرصة للحسم الأمني مع الانتفاضة، على الطريقة السورية/ اللبنانية: «يا قاتل. يا مقتول».

هناك عامل آخر غير المتغيرات الدولية والعربية، في إجبار بشار على النزول إلى الساحة «الحكواتية»، للتمهيد بحسم الوضع الأمني بقبضة وعضلات شمشون، بعدما ازداد فوضى واهتزازا، من دير الزور شرقا. إلى محافظة إدلب غربا. ومن ريف حمص وحماه في الوسط. إلى اللاذقية الساحلية. إلى ريف دمشق من دوما شمالا إلى درعا جنوبا. وعلى طول الحدود مع لبنان من الزبداني جنوبا إلى تلكلخ والقصير شمالا.

ماذا سيقول التاريخ عن بشار؟ عرف كيف يصل. لكن لم يعرف كيف يحكم. يدخل بشار التاريخ من بوابة شمشون: «عليّ. وعلى أعدائي». في غيبوبته عن الواقع، فقد أذهل السوريين، موالين ومعارضين، بدعوتهم إلى «احتضان» الشبيحة والأجهزة الأمنية! كسب بشار رضا الوالدة. في مخالفته لمنطق التاريخ، ارتكب مخالفة سير. سار عكس اتجاه المسيرة البشرية نحو الأفضل حضاريا. وإنسانيا.