رحيل دنكطاش.. «ختيار» المقاومين

TT

القبارصة الأتراك فقدوا «ختيار» السياسة ورمز القضية والمدافع الأقدم عنها.

60 عاما في «مهنة» النضال من أجل قبرص الشمالية، حيث يعيش أتراك الجزيرة الذين دخلوا في الكثير من الأزمات والحروب مع جيرانهم في الجنوب منذ أكثر من 80 عاما.

ورغم تزايد عدد خصومه ومنتقديه داخل تركيا وفي القسم الشمالي من الجزيرة رفض كل اقتراحات إحالته إلى التقاعد معززا مكرما.

ولد وعاش يتيما بعدما فقد والدته وهو في عامه الثاني، لكنه تحول إلى أقدم محارب يتقاعد وهو في الثمانية والثمانين بعدما توج شيخ المناضلين في العالم.

وصفه الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كورت فالدهايم «بالجوزة الصلبة» بسبب عناده وتشدده في مواقفه ومطالبه.

الاعتراض على أسلوبه وطريقة تعامله مع المسائل جعل الكثير من خصومه السياسيين يقفون في جبهة واحدة مع قيادات العدالة والتنمية، وكل ذلك كان يتم تحت شعار لغة متطورة وأسلوب جديد بعقلية مختلفة في التعامل مع الأزمة القبرصية.

حمله البعض مسؤولية عرقلة الحل في الجزيرة عام 2004 بسبب تعنته الدائم وتبنيه لسياسة اللاحل أفضل من كل الحلول فتمت إزاحته «ديمقراطيا» عن مقعد الرئاسة، لكن الحل لم يظهر ولو ببصيص نور واحد، فهو عارض مشروع كوفي أنان فأرغم على الابتعاد، لكن النتيجة كانت قبول الأتراك بغالبيتهم ورفض القبارصة اليونان بغالبيتهم للمشروع، فصحت توقعاته. القبارصة اليونان لم يقبلوا هذا الحل وهم يلتحقون بالمجموعة الأوروبية التي ستوفر لهم الغطاء السياسي والأمني الضروري بعد الآن.

كان يقول إن سكان الإسكيمو يناضلون من أجل قضيتهم والجليد يحاصرهم من كل جانب، أما نحن فنناضل والمياه تحيط بنا من كل صوب، لكننا كنا دائما فوق صفيح ساخن كان كافيا لتدفئتنا.

عايش وفاوض طيلة حياته السياسية 5 من ثعالب السياسة في قبرص اليونانية و5 أمناء عامين للأمم المتحدة بمشاركة ودعم 6 رؤساء جمهورية و13 رئيسا للوزراء في تركيا.

حربه كما ردد دائما كانت تتجاوز مستقبل أرض الجزيرة التي يعشقها إلى مصير الوطن التركي الكبير الذي كان يحبه.

آخر ما صاح به وهو على فراش الموت أمام ابنته الجالسة بجانبه «هريستوفياس (الزعيم القبرصي اليوناني ديمتريس هريستوفياس) هذه الأرض هي جمهورية مستقلة»، ومع ذلك فإن أول المعزين به كان هريستوفياس نفسه.

حمل القلم أولا كمحام، ثم لجأ إلى سلاحه لمواصلة النضال كمقاتل هذه المرة إلى أن تمسك بالعلم عندما انهارت قواه وسقط مريضا.

فرحته بالعمل السياسي كما قال أكثر من مرة كانت أولا مع دخول القوات التركية إلى قبرص الشمالية عام 1974 لإنقاذ أتراك الجزيرة من القتل، وكانت ثانيا عام 1983 عندما وقف وحده يعلن قرار ولادة جمهورية قبرص الشمالية بعدما كان الوحيد الذي تبنى ودافع عن هذا الخيار الذي ضمن الحقوق والكرامة لأتراك الجزيرة، كما قال رغم معرفته أن فرحته ستكون مبتورة، فتركيا هي الدولة الوحيدة التي اعترفت بهذه الجمهورية التي فتحت الأبواب على وسعها أمام القبارصة اليونان ليلتحقوا بالمجموعة الأوروبية ويساوموا مدعومين بالغرب على بقاء الجزيرة موحدة.

تعرض للنفي والاعتقال والسجن بسبب التحاقه بحركة المقاومة القبرصية التركية. كانت أنقرة إلى جانبه دائما كمفاوض مع القبارصة اليونان ابتداء من منتصف الخمسينات وحتى عام 2005، آخر أيامه في العمل السياسي، بعدما انتخب نائبا ورئيسا للوزراء والجمهورية لأكثر من مرة.

هو يغادر الجزيرة وهي تعيش أصعب أيامها، فالمفاوضات بين قيادات الجانبين وصلت إلى طريق مسدود، والعلاقات بين تركيا ولفكوشة ما زالت ليمونية بسبب مواقف بعض المعارضين لسياسة تركيا القبرصية والاتحاد الأوروبي أصبح لاعبا رئيسيا في موضوع الجزيرة بعدما دخل على الخط من خلال قبوله قبرص الجنوبية كشريك وعضو كامل في المجموعة منذ 2004. والجميع يعيش على أعصابه أمام انفجار سياسي وأمني يهدد شرق المتوسط، حيث يصر القبارصة اليونان على قرارهم في الاستفادة من نفط وغاز المنطقة رغم كل اعتراضات أنقرة وتحذيراتها.

رؤوف دنكطاش تعب كثيرا كما قال نجله سردار، وهو الآن انزوى في استراحته.

شخصية سياسية أخذت مكانها على صفحات التاريخ، فأين سيشيد الأتراك هيكله، ومن سيمثل القبارصة اليونان في مراسم الدفن وهناك شيوخ سياسة كثر مثله في الجانب الآخر كانت تربطه بهم الصداقة؟