تكثيف المعلومات يجذب الانتباه

TT

ربما لا يلاحظ كثير من الناس أن هناك سرا تتبعه القنوات الإخبارية لإطالة مدة متابعة المشاهدين لبرامجها وأخبارها، وهي مسألة «تكثيف المعلومات» المشوقة وتنويعها. فهيئة الإذاعة البريطانية «bbc»، مثلا، لديها سياسة التنويع المكثف للمعلومات خلال العشرين دقيقة الإخبارية، وذلك حتى لا يغير المستمع أو المشاهد القناة، حسبما ذكر لي مراسلها اللامع د. محمد العجمي.

والأمر نفسه نجده في «قناة العربية» التي اتخذت شعارا صريحا نشاهده على أرض الواقع وهو «أن تعرف أكثر». حاول، مثلا، متابعة القناة لمدة ربع ساعة لتعد عدد المعلومات المنوعة، فستجد أنها تنافس به قنوات أخرى، وهو أمر مقصود لنبقى متسمرين أمام الشاشة! ونجد أسلوب تكثيف المعلومات المشوقة يستخدم في الأفلام الوثائقية التي تقوم على فكرة مقتطفات مكثفة وممتعة. وكذلك الحال مع المذيعين الذين أدركوا أنك، حتى تلفت انتباه المستمع، لا بد أن تقول له معلومة مشوقة مثل «سوف نناقش كذا وكذا وكذا ولكن بعد الفاصل»!

فإذا فهمت القنوات الإعلامية العريقة السر في جذب ملايين المتابعين، فمن باب أولى أن نستخدم نحن كمتحدثين الأسلوب نفسه المباشر والمشوق في التحاور مع الناس في العمل وفي البيت ومع الأصدقاء، فالبعض يظن واهما أنه كلما تشبث بناصية الحديث لأكبر مدة ممكنة كان أكثر تشويقا، لكن حقيقة الأمر تكمن في نوعية المواضيع وأسلوب التكثيف، ألا ترانا ننهمك في برنامج إذاعي جميل لسبب بسيط وهو المتحدث يتدفق علينا بمعلومات غزيرة لا تدع لأذهاننا مجالا لأن تشرد، ولو قليلا. وقد ثبت علميا أن عقل الإنسان لديه مقدرة كبيرة على التفكير بسرعة تتجاوز 3 أضعاف ما يسمعه تقريبا، فإذا لم يكن ما يسمعه كافيا لجذب انتباهه وجدناه يلتفت يمنة ويسرة مثلما يفعل بعض الطلبة في القاعات الدراسية.

ولنتذكر أننا في حواراتنا يجب ألا نكتفي بتكثيف المعلومات والمباشرة بالطرح، بل يجب أن نشرك المستمعين، لأن تفاعلهم معنا يرفع من معدل استمتاعهم بالحديث.

سُئل الجاحظ: ما البلاغة؟ فقال: الإيجاز. والإيجاز صورة من صور التكثيف المعلوماتي الذكي. وقد وجدت ذلك جليا في خطبة الوداع للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فهي على الرغم من أنها آخر خطاب لنبي مرسل للبشرية فإن مدة قراءتي لها لم تتجاوز ما معدله 7 دقائق!

[email protected]