مشكلتنا مع التعليم

TT

هناك تركيز هائل في السعودية على نشر التعليم تجسم في هذه التخصيصات الكبيرة التي أعطيت له وتجاوزت 168 مليار ريال، وهو ما يمثل 24% من نفقات ميزانية العام. وهذه نسبة تبز معدل الإنفاق على هذا الميدان في سائر الدول الأوروبية، وربما لا تتجاوزها غير ما تنفقه إسرائيل. الحقيقة أن ما تنفقه هنا الدول العربية، لا سيما تونس، يتجاوز ما تنفقه سائر دول العالم الثالث ويضاهي معدلات الدول الغربية. ولكن المردود على هذا الاستثمار ظل متخلفا. فمعدلات ما ينشره العالم العربي من كتب وأبحاث وترجمات ومساهمات ومنجزات علمية يقل بكثير عما جادت به دول قريبة منا كاليونان وإسبانيا مثلا. الكثير من إنفاقنا يضيع في اعتبارات ثانوية.

علينا أن نتذكر أيضا أن الكثير مما ننفقه من مال ووقت وجهد تمتصه دروس وأبحاث لا تصب في ميدان العلوم، كالنحو العربي والشعر والإملاء. فضلا عن ذلك، أن التعليم عندنا لا يقوم على حرية التفكير والمعرفة، الركنين الأساسيين لأي تقدم فكري أو علمي.

لا يقوم النهوض العلمي على الدراسة الجامعية كما يظن البعض.. فجذوره تمتد إلى البيت ثم الروضة فالمدرسة. وعندما يدخل التلميذ الجامعة، يكون عقله قد أخذ صيغته. وهذه عملية تتضمن غرس روح الملاحظة والمقارنة والتحليل والاستنتاج في سنوات النمو.. ينبغي علينا تشجيع العقليات والعلميات في ذهن النشء الجديد مبكرا. لا تستطيع الجامعات إعطاءنا تفكيرا علميا إذا نشأنا نشأة غير علمية.

حاولت مساعدة ابني نائل في الهندسة.. شرحت له الحل.. نظر في وجهي بذهول، ثم بين لي كيف أن المعلمة ساعدته في حلها. كانت زوجتي بجانبنا.. قالت لي: ابعد عن الولد! لا تحاول تدريسه. طريقتكم تقوم على التلقين والحفظ (الدرخ) والتطبيق، أي الطاعة.. طريقتنا تعتمد على مساعدة الولد على التفكير والوصول للنتيجة بنفسه.. ابعد عن الولد ولا تخرب عقله! إنها آيديولوجيتان مختلفتان: السلطوية والحرية.

المشكلة عويصة. إذا كنا لا نستطيع تغيير التربية في البيت، فعلى الأقل نستطيع تغيير مناهج الدراسة بتقليص دروس وتوسيع وتعميق دروس.. نستطيع استعمال أساليب تشجع الصغار على التفكير الحر والمناقشة والاستنتاج. لا بد من تبسيط النحو العربي فلا نضيع فيه سنوات من عمرنا ثم ننساه في أيام. وحتى يتم ذلك (ولن يتم)، فلا بد من التركيز على اللغة الإنجليزية. ما الفائدة من استيراد أساتذة كبار يلقون دروسهم بلغة لا يفهمها التلاميذ؟