توتر عميق يسود العلاقات الروسية ـ الإيرانية

TT

الخلافات العميقة بين المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي ورئيس الجمهورية محمود أحمدي نجاد، تتفاقم بسبب الوضع الداخلي في إيران، خصوصا بعدما بلغ أحمدي نجاد أن قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» قد يكون مرشح خامنئي لرئاسة الجمهورية، إضافة إلى ما يتعلق بمسار السياسة الإيرانية تجاه روسيا.

والتوتر بين روسيا وإيران يزداد في أعقاب «الكتف الباردة» التي أظهرتها موسكو لطهران بعدما أعلنت الأخيرة عن تشغيل منشأة التخصيب في مفاعل «قم» الذي يخصب «اليورانيوم» إلى مستوى 20%. وسبق لروسيا أن عبرت عن «أسفها وقلقها» من الأنباء القائلة إن إيران بدأت عمليات التخصيب في مفاعل «فوردو» أيضا، وانتقدت طهران لتجاهلها الاستجابة لطلبات المجتمع الدولي.

مجموعة أحمدي نجاد غاضبة من عدم التزام روسيا بتزويد إيران بصواريخ «إس 300» والتأخير في تفعيل مفاعل «بوشهر» والضغوط الدبلوماسية، لهذا بدأت في صياغة وتنفيذ عدة تدابير، كرد فعل على المواقف الروسية. مكتب المرشد الأعلى من جهته، يريد تهدئة التأجج قدر الإمكان وممارسة ضبط النفس كي لا تخرج الأمور عن نطاق السيطرة، خصوصا على خلفية العقوبات الغربية المتزايدة، ويرغب في أن يعتمد ما يشبه التعاون مع المبادرة الروسية «خطوة بخطوة»، خوفا من تقويض التعاون العسكري الروسي مع «الحرس الثوري» الإيراني.

ظاهريا تحرص روسيا وإيران على إبراز صورة «العلاقات الودية» و«العمل كالمعتاد»، وقد اجتمع مسؤولون كبار من كلا البلدين علنا خلال الأشهر الماضية لتأكيد التمويه. ولكن مع ذلك وعلى الرغم من كل هذه الاجتماعات، ووفقا لمصادر إيرانية، فإن كبار المسؤولين الإيرانيين الذين عادوا من تلك الاجتماعات عبروا عن شعور عام بعدم الرضا عن الحوارات التي أجروها مع زملائهم الروس. المبعوثون الإيرانيون الذين شاركوا في الحوارات ينتمون بشكل مباشر أو غير مباشر إلى حلقة الرئيس، واعتمدوا بشكل جماعي خط تكثيف الضغط على موسكو.

كان الاستثناء بيانا أدلى به أخيرا السفير الإيراني لدى موسكو سجادي في الثاني عشر من هذا الشهر، ووفقا لبيانه، فإن الاقتراح الروسي «خطوة بخطوة» في ما يخص البرنامج النووي الإيراني خضع لتغييرات تعود بالفائدة على بلاده: «على وجه التحديد، الاعتراف بحقوق إيران المشروعة في النشاط النووي». وقال إن لديه (السفير) بعض التحفظات، وبالتالي، هناك حاجة «لإجراء مشاورات كثيرة»، وأضاف أن روسيا تعارض العقوبات الأميركية على البنك المركزي الإيراني، ونفى التقارير التي قالت إن الروس طلبوا من إيران الحصول على إذن للكشف عن طائرة «الدرون» (طائرة من دون طيار) الأميركية التي أسقطتها إيران.

وراء البيان الذي أدلى به السفير والذي تم على خلفية خطة وزراء خارجية المجموعة الأوروبية بمناقشة فرض حظر نفطي على إيران في 23 من الشهر الحالي، هناك الخلاف بين المرشد والرئيس، وهذه المرة نجح المرشد في تحديد «السياسة الخطابية الإيرانية».

ووفقا للمصادر الإيرانية، فإن سياسة أحمدي نجاد تغيرت في أوائل عام 2011 كرد فعل على التحليل السنوي الذي يضعه المجلس الأعلى للأمن القومي، والذي راجع سياسة إيران تجاه روسيا في ضوء مستوى التوتر الذي ارتفع كثيرا بين البلدين عام 2010. فقد بعث المجلس الأعلى للأمن القومي إلى مكتب الرئيس بوثيقة داخلية تتضمن توصيات سياسية واقتصادية تتعلق بروسيا. واعترض واضعو التقرير بشكل خاص على المرسوم الرئاسي الذي وقعه الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف في سبتمبر (أيلول) 2010، وعلى التأخير المتكرر في تفعيل مفاعل «بوشهر»، وتراجع روسيا عن فتح مصرف مشترك إيراني - روسي على الرغم من الاتفاق حول هذه المسألة، وأيضا تصويت روسيا لصالح القرار الدولي 1929 في مجلس الأمن بفرض عقوبات إضافية على إيران في شهر يونيو (حزيران) 2010.

أشار قسم خاص في تقرير المجلس الأعلى للأمن القومي، إلى ردود الفعل الروسية المحتملة وإلى نقاط الضعف التي يمكن لإيران استخدامها لمصلحتها لتحسين وضعها مع موسكو وجيرانها. وأبرز واضعو التقرير الاقتصاد الروسي كنقطة ضعف مهمة، واستعانوا بتحذيرات اقتصاديين بأن روسيا من المرجح أن تواجه أزمة ديون في المستقبل مماثلة لتلك التي تعاني منها اليونان إذا ما أخفقت في تخفيض نفقاتها حتى ولو بلغ متوسط سعر النفط 115 دولارا للبرميل هذا العام. أما أبرز النقاط التي أوصى بها واضعو التقرير وتهدف في معظمها إلى محاولة تقوية نفوذ إيران الاقتصادي والسياسي على روسيا، فكانت: رفع دعوى قضائية ضد روسيا لخرقها العقد بشأن تسليم صواريخ «إس 300» إلى إيران. وفي شهر أغسطس (آب) أعلن السفير الإيراني في موسكو سجادي أن بلاده رفعت دعوى قضائية ضد روسيا في محكمة التحكيم الدولية قبل ستة أشهر. وزارة الخارجية الروسية ردت بأنها «مندهشة» من هذه الخطوة. ووفقا للمصادر الإيرانية، فقد فوجئ أيضا مكتب المرشد الأعلى بإعلان السفير؛ إذ لم يتم إبلاغه بالأمر مسبقا. هذا الإعلان دفع إلى سلسلة محمومة من الاجتماعات بين كبار المسؤولين الإيرانيين والروس التي انعقدت في الأشهر القليلة الماضية.

التوصية الأخرى: تطوير الأسلحة الروسية باستخدام الهندسة العكسية، والتعاون مع الصين وكوريا الشمالية. وتحاول طهران العمل مع هاتين الدولتين لنسخ أنواع مختلف من أنظمة الصواريخ بما في ذلك «إس - 300» وأنظمة الإنذار المبكر. وليس سرا، أن الصين تلقت بالفعل 15 نظاما من «إس - 300» خلال العام الماضي.

كما اقترح واضعو التقرير، التهديد بسحب إيران معارضتها تمديد خطوط الأنابيب في بحر قزوين، مثل خط أنابيب الغاز «نابوكو»، ليصل إلى تركمانستان بأذربيجان، ويواصل عبر تركيا إلى أوروبا. حتى الآن، امتثلت طهران لطلب روسيا بأن تعترض بشدة على خطة تمديد الأنابيب، التي من شأنها كسر الاحتكار الروسي في أوروبا، الذي تتمسك به من بين أمور أخرى، عن طريق خط أنابيب «بلوستريم» في قاع البحر الأسود.

كذلك، أوصوا بإعطاء الأفضلية للشركات الصينية والتركية على الشركات الروسية لبناء المحطات الكهربائية. وفي الثاني من شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2011، أعلنت إيران عن توقيع صفقة مع شركة صينية لبناء عشر محطات كهربائية تعمل بالغاز في محافظة مازندران الشمالية.

بعض من هذه الخطوات التي لم يكشف عنها أحمدي نجاد خلال اجتماعاته مع خامنئي، أثارت غضب مكتب المرشد. ووفقا للمصادر الإيرانية المطلعة، أعرب المرشد عن استيائه للرئيس، وطالب بوجوب طرح كل البيانات العلنية المتعلقة بعلاقة إيران بروسيا على مكتبه مسبقا. هذا التوتر مهد الطريق ليملي المرشد على السفير الإيراني في موسكو فحوى بيانه الأخير. وأكد خامنئي أنه عندما يتعلق الأمر بالمجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، فإن إيران تحتاج روسيا أكثر من حاجة روسيا لها.

على هذه الخلفية، يمكن فهم الآمال الكبيرة والأهمية الفائقة التي قيّم بها رجال أحمدي نجاد، جولته في دول أميركا اللاتينية. لكن رجال خامنئي يعرفون أن الدول التي زارها أحمدي نجاد دول ذات صوت مبحوح على الأكثر، وأن على طهران أن تتقبل كل المراوغات الصينية والروسية مهما كانت مخيبة لآمال القيادة.

لكن يتبين مما تقدم أن «الشطارة» التي تتميز بها القيادة الإيرانية، لا تظهر أمام «شطارة» الحنكة الصينية و«شطارة» المراوغة والمماطلة الروسية.